الراشد واغتيال الحسن ورواية طويل العمر

الخميس الماضي، كتب الأستاذ عبد الرحمن الراشد، مدير قناة العربية السعودية، في صحيفة الشرق الأوسط، مقالاً بعنوان «حزب الله وشائعات اغتيال الحسن». المقال مبنيّ للرد على ما ورد في التقرير المنشور في «الأخبار» يوم 30 تشرين الأول، تحت عنوان «وسام الحسن: هؤلاء يريدون رأسي». وفيه يتهم الراشد كاتب التقرير بالكذب، وبإضافة «بهارات باردة» وبتخيل معلومات عن الجهات التي كان اللواء الشهيد وسام الحسن يتحدث، في مجالسه الخاصة، عن خشيته من أن تقتله إحداها. وهذه الجهات هي: حزب الله وسوريا والاستخبارات الإسرائيلية وتنظيم القاعدة. لم يعلق الراشد بالطبع، على الاحتمالين الأولين، أي حزب الله وسوريا. لكن ساءه أن يكون العدو الإسرائيلي وتنظيم القاعدة ضمن لائحة المشتبه فيهم بتنفيذ الجريمة.

طرح الراشد سؤالاً صار البعض يجده بديهياً، لكثرة ما تم تداوله، على طريقة أكاذيب غوبلز. يسأل بـ«فطنة»: لماذا تغتال إسرائيل محققاً أمنياً شجاعاً تجرأ على كشف جرائم حزب الله وسوريا؟ السؤال أبله. وكنا نظن أن الراشد لن يقع في فخه، وهو الكاتب المرموق في أكثر صحف آل سعود انتشاراً، ورأس حربة «الليبرالية الوهابية» في العالم العربي. وهو، إضافة إلى ذلك، يدير ثاني أكثر المحطات الفضائية السياسية (طبعاً السياسة موجودة خارج مضارب آل سعود) الناطقة بالعربية انتشاراً. يعيدنا سؤال الراشد هذا إلى المربع الأول: الدفاع عن وسام الحسن. فهو لا يعدو كونه تكراراً لمقولة متطرفي الفريق السياسي الذي يعاديه، ممّن يتهمون الحسن بالعمل، حصراً، على مواجهة سوريا وحزب الله، لمصلحة أميركا وإسرائيل. ويقولون إن ما قام به فرع المعلومات خلال السنوات الماضية، في مواجهة إسرائيل، لم يكن سوى محاولة لتلميع صورته. ما هكذا تورد الإبل. ففرع المعلومات عمل خلال السنوات الماضية على تفكيك عدد كبير جداً من شبكات التجسس الإسرائيلية، في لبنان وفي سوريا. نعم في سوريا. كان بإمكان الراشد أن يسأل الرئيس السوري بشار الأسد عن ذلك، في زمن فائض الود الذي كان الكاتب السعودي يبديه تجاه الأسد بعدما استقبله الأخير أكثر من مرة. وعمَلُ «المعلومات» حينذاك، ورغم كونه كشف للعدو أن أسلوب عمله بات مفضوحاً في لبنان سوريا، إلا أنه ــــ مع ما قامت به استخبارات الجيش وأجهزة أمن المقاومة ــــ وجّه ضربة هي من أقسى ما تلقته الاستخبارات الإسرائيلية في تاريخها. يومذاك، انتحر الضابط المسؤول عن تشغيل المصادر البشرية في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وانتحاره لم ينتج، بالتأكيد، من النشاط الذي تمارسه ضده الاستخبارات السعودية.

وعلى سيرة هذه الاستخبارات، بإمكان الراشد أن يسأل رؤساءها عن معطيات التحقيق في جريمة اغتيال اللواء وسام الحسن. لكن ننصحه بالابتعاد في سؤاله قليلاً عن بندر بن سلطان، صاحب الخبرة في عمليات الاغتيال. فحقد الأخير على المقاومة دفعه سابقاً الى تلويث يديه بدماء الأبرياء في لبنان، عندما تبرع عام 1985 بتمويل محاولة اغتيال السيد محمد حسين فضل الله، ما أوقع أكثر من 80 شهيداً من المدنيين في بئر العبد.

أما بالنسبة الى «القاعدة» التي ينكر الراشد أيضاً ما أورده تقرير «الأخبار» بشأنها، فيمكنه أن يسأل عنها أصدقاءه في أجهزة محمد بن زايد آل نهيان في أبو ظبي، وعن المعلومات التي أرسلوها إلى الشهيد وسام الحسن بداية العام الجاري، عندما حذّروه من محاولة اغتيال يجري إعدادها لضابط كبير في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، محددين منطقة يقع ضمنها مكان اغتيال الحسن قبل أسبوعين وثلاثة أيام. يومها، فاجأ الإماراتيون الحسن بذكر المنزل الذي يسكن فيه سراً، قبل أن يخبروه بأن ما في حوزتهم من معلومات يشير إلى أن من يعدّ عملية الاغتيال ليس سوى مجموعة تابعة لتنظيم «القاعدة» تعمل انطلاقاً من مخيم عين الحلوة. وليس مفهوماً أن ينفي الراشد مجرد شبهة عن تنظيم «القاعدة» ومتفرعاته، إلا إذا كان يرى في هؤلاء نتاجاً شرعياً لنظام آل سعود وبرنامج «مناصحتهم»، أو أن «الليبرالية الوهابية» تقضي باتهام كل صاحب رأي آخر بالكذب أو بغيره مما هو فيها. يبقى أنه لا لبس في أن الراشد يريد تبخيس كل رواية تخالف ما قرّره «طويل العمر».

وحرصاً منا على صدقية الراشد، نحيله على ما قاله المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بعد اغتيال الحسن. وريفي ليس في نظر الراشد، بطبيعة الحال، ممن يسعون إلى نشر شائعات بشأن الجريمة. وهو قال بوضوح إن أربعة احتمالات تقف خلف اغتيال الحسن: توقيف الوزير السابق ميشال سماحة، تفكيك شبكات التجسس الإسرائيلية، توقيف الشبكات الإرهابية التابعة للقاعدة ومتفرعاتها، أو طابور خامس.

وأكثر ما يحزّ في النفس، أن من يتهمنا بالكذب يدير قناة يُدرك هو شخصياً ضحالة صدقيتها. وعندما أراد أن يروّج عام 2010 لنظرية اغتيال حزب الله للرئيس رفيق الحريري في فيلم «جريمة في بيروت» الذي أنتجته شركته اللندنية، سعى إلى عرض الفيلم على قناة «الجزيرة» أو غيرها، لإدراكه أن «أحداً لن يصدق» قناة «العربية». (وتعبير «أحداً لن يصدق» استخدمه الراشد في حديثه عن تقرير «الأخبار»). و«العربية» هي ذاتها التي نشرَت خلال الأسابيع الماضية مئات الأوراق المزورة، مغدقة عليها صفة «وثائق»، وفي أبرزها أن صاروخ غراد أطلق على طائرة تركية قبالة الشواطئ السورية، وأسقطها. ربما لم يشرح أحد للراشد وغيره من القيّمين على القناة، أن سقوط طائرة بصاروخ غراد هو أقل واقعية من الخرافة الشائعة في الولايات المتحدة، والتي تقول إن أنصار الكونفدرالية في الحرب الأهلية الأميركية أطلقوا صاروخاً من ريتشموند، نحو مدينة واشنطن التي تبعد عنها أكثر من 150 كلم، وإن هذا الصاروخ وصل على الأرجح إلى الفضاء الخارجي.

السابق
مشروع كلينتون للحسم في سورية
التالي
الشرق الأوسط: القلق الفرنسي تضاعف بعد اغتيال اللواء الحسن