حكومة؟! علي نون


طيب، إذا كان الوضع الاقتصادي والمعيشي على هذا المستوى من التردي الكارثي، وإذا كان الوضع الأمني على هذا القدر من الانفلاش الإجرامي والارهابي، وإذا كان الوضع السياسي على هذا المستوى من العنف والحدّة والسفور، وإذا كانت البلاد في الإجمال، تنام قلقة وتستيقظ وَجِلَة من إمكانية انفجار برميل البارود المذهبي في أي لحظة.. إذا كانت هذه هي العناوين العامة للوضع اللبناني، فبماذا تمنّننا حكومة "حزب الله" برئاسة نجيب ميقاتي! وكيف لها أن تتشاوف بإنجازاتها؟ وكيف لرئيسها المفترض أن يتبجّح كيفما دار وحار بدوام حاله، بل وباستعداده "للمواجهة إذا أرادوها"؟!
منذ اللحظات الأولى لقيامها بإرادة السلاح، حملت هذه الحكومة مؤشرات الكارثة واحتوت على كل أسبابها. فجاءت "إنجازاتها" ترجمة حتمية لطبيعتها الأولى وفحواها الأخير. وما النتائج الواضحة راهناً أمام معظم خلق الله إلا تتويجاً خلاّباً للمنطق في أصله وفصله: حكومة كسرت في قيامها ميزاناً دستورياً وعُرفياً ظل معمولاً به على الدوام في ظل الحرب وكوارثها، لا يمكن أن تنتج مناخاً حوارياً يحفظ ما تبقى من عرى رابطة بين اللبنانيين. وحكومة فرضت حالها بالقوة المسلحة، منفذّة ما يشبه الانقلاب في بلد يمشي فيه كل شيء إلا هذا النوع من الكاريكاتير الطغياني، لا يمكن أن تنتج إلا تفلتاً أمنياً وهتكاً للقانون في كل اتجاه.
وحكومة وصفها بعض أهلها بأنها "الأسوأ" من نوعها في تاريخ لبنان لا يمكن أن تنتج جودة في أي مضمار، وحكومة أولى وظائفها تغطية النفوذ الآفل لملهم رئيسها، بشار الأسد وتلوين امتداد المشروع الإيراني بألوان شرعية تكمل تلك الشارعية، لا يمكن إلاّ أن تكون غطاء لا يزعج منفّذي الاغتيالات والتفجيرات.. حكومة لا عدّ ولا حصر لتفاصيل "فتوحات" بعض وزرائها وخصوصاً "الإصلاحيين" منهم لا يمكن أن توفّر بديلاً من كارثة انعدام الخدمات في كل مجال.. حكومة تبدأ في الكلام مع اللبنانيين بالقول انها بديل من الفتنة، وكأنها تعرف كم هي سيئة وتحذّرهم من الأسوأ، لا يمكن لها إلاّ أن توصل البلد بما فيه إلى وضع يكاد أن يكون شبيهاً بالوضع الذي كان عليه، في أنحس أيامه وأكثرها مرارة وسواداً وشحتاراً وبصلاً!
من استمع إلى شهادات الهيئات الاقتصادية على تنوعها، وآخرها شهادة أهل القطاع السياحي بكل مرافقه. ومن عرف ويعرف حقيقة الأرقام وأحوال السوق التجارية في الإجمال. ومن عرف ويعرف حقيقة ما يجري في قطاع الكهرباء والطاقة مثلاً. ومن استمع ونظر في أحوال معظم القطاعات الإنتاجية الأخرى، كيف له بعد ذلك أن يهضم ويستوعب حديث "الإنجازات" و"تفعيل الأداء" الذي يحكي فيه ميقاتي؟ وكيف له بعد ذلك أن يتصور "الأسوأ" ويتوجّس من الفراغ، ويخاف من المجهول؟!
إنسَ بعد ذلك، السياسة والأمن والسلاح و"أيوب" وسوريا وإيران، ولك الله؟

السابق
بأيّ حال عدتَ يا وعد بلفور؟
التالي
بيجامة واقية لـلحصان غريسي