الوهم الممانع

تخطئ منظومة الممانعة مرّة أخرى في تعمير بناء من الوهم استناداً إلى أخطاء تكتية متفرّقة لقوى 14 آذار.
وتخطئ في الافتراض، أنّ ذلك البناء سيكون كافياً لاستيعاب وتغطية خطاياها وارتكاباتها هي.. ثمّ في استثمار ذلك في مشروعها الدائم الهادف إلى إحكام السيطرة على القرار الوطني اللبناني وإتمام إلحاقه بالمحور الممانِع من دون منغّصات.
تبني على الوهم وتصدّق حالها. وتفترض وتذيع افتراضاتها باعتبارها حقائق، ثم تروح في فذلكة التحليل لتطلق استنتاجات وخلاصات هي أقرب ما تكون إلى التمنيات وأحلام اليقظة.
مَن قرأ وسمِعَ ورأى حفلات الندب التي انطلقت سيّالة مدرارة غداة "حادث" السرايا الحكومية، ثمّ ما تلا ذلك من ردود فعل متفرّقة في أكثر من منطقة، على جريمة اغتيال الشهيد اللواء وسام الحسن، يظنّ أنّ الندّابين الفجائعيين الغاضبين هؤلاء آتون من نهج سياسي ثقافي أدائي متخصّص في توزيع الورد والرياحين على الناس وليس السلاح والذخائر! وفي إنشاء معاهد للموسيقى والفن عموماً وليس تفريخ تنظيمات ميليشيوية على طول خارطة الجمهورية وعرضها وخلف حدودها! نهج يقدّس الممارسة الديموقراطية في أرقى وأنبل أشكالها ومدارسها وضروبها وفنونها! ولا ينام الليل سهراً وحرصاً على الدولة ومؤسساتها ومشروعها وإكمال نواقصها وسدّ شوائبها! وتمتين الوحدة الوطنية وصونها من الأذى! وتوثيق العروة الرابطة بين اللبنانيين وطوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم وطريقة عيشهم! بل ويعتمد خطاباً هو أقرب إلى الشعر وسيمفونيات البلاغة والأدب منه إلى النفير والتوتير الدائمين.. ويعتمد فوق كل ذلك أداءً إعلامياً وتبليغياً مدجّجاً بمقوّمات احترام حرّية الآخر في القول والتعبير والممارسة المختلفة!!
مَن يسمع ويقرأ ويرى ما يجري من ندب ممانع منذ يوم الأحد الماضي، يقترب من فهم المعنى التام لمصطلح الفجور. ومن تفصيل وتشريح معنى الغوغاء والبلف النظري. ومقدار الدأب على قصّة غسل العقول.. ويقترب أكثر فأكثر من فهم بعض الآليات الصعبة لقصّة الوقاحة وكيفية استعارتها من الشأن الشخصي وإنزالها على الشأن العام. ومن فهم وعيش المبدأ النازي الحاضّ على الكذب ثم الكذب لتسويق فكرة محدّدة، أو إلصاق مثلبة بالأعداء لتحطيم درعهم الأخلاقية كمقدّمة للانقضاض عليهم بالسياسة والميدان!
مَن يسمع ويقرأ ويرى حفلات المجون السياسي والإعلامي الفالتة على غاربها من قِبَل الممانعة بكل مراتبها وفصائلها وأنواعها، يتيقّن من استنتاج تحليلي يقول إنّ القضايا الكبرى، وإن كانت شعاراً، لا يصنعها صغار.. وأنّ الرسالات الجليلات، وإن كانت ادعاءً، لا يمكن أن تبلّغ من قِبَل عسس فكري. وأنّ الأهداف العظمى، وإن كانت تزويراً، لا يمكن أن تتحقّق بأدوات وضيعة ومراهِقة ومدّعية. وإنّ المشاريع الطموحة، وإن كانت جموحة وخياليّة، لا يمكن أن تصل من خلال اعتماد وسائل المافيات وأساليبها. وإنّ الكذب وصفة مكتملة للفشل.. ولذلك يحصل ما يحصل في إيران نفسها، وفي سوريا بعدها. وحصل ما حصل ويحصل في لبنان، والذي استدعى ويستدعي كل هذا الإجرام لمحاولة تحقيق ما لم يمكن تحقيقه بالطرق والأساليب والأدوات "الطبيعية".
.. بعد اغتيال الخالد رفيق الحريري، اصطدمت الآلة الممانِعة بالحائط رغم كل قوّتها وصخبها وزخمها وآلتها وأساليبها المدجّجة بالسلاح والمال والتعبئة المستدامة. وفشلت في إلقاء القبض على حاضر اللبنانيين ومستقبلهم وقرارهم وإرادتهم السياسية. وتكرّر اليوم الخطيئة ذاتها، خطيئة الفعل الإجرامي أوّلاً، ثم محاولة توظيف ذلك بالمشروع السياسي، أيّاً كانت عناوينه التكتية والاستراتيجية.
مرّة أخرى، تسيء تلك المنظومة الحكم والظنّ والافتراض والأداء. ولأسف فظيع، فإنّ لبنان واللبنانيين، وسوريا والسوريين في الإجمال، يحصدون نتاج ذلك الزرع اليابس.. ويدفعون الأثمان الكبرى لتلك السياسات الصغرى والوضيعة والمدمّرة.

السابق
استنفار على الحدود اللبنانية الاسرائيلية عند حدود مزارع شبعا
التالي
لبنان أعجوبة.. حقا