إغتيال كاشف المستور والأحداث الآتية

إغتيال «كاشف المستور» للاغتيالات السياسية التي حصلت منذ العام 2005 في لبنان، «اللواء الشهيد» وسام الحسن، أحدث هزّة نوعيّة لا تزال آثارها وتردّداتها واضحة على وجوه اللبنانيّين، تبعاً لما أصابهم من ذهول ووجوم، ولحق بهم من أضرار اجتماعية ونفسية وصحّية واقتصادية وأمنية وسياسية منذ الجمعة الفائت وحتى اليوم.
"الرجل" القليل الظهور والمعروف بدماثة أخلاقه وعقله الأمني الثاقب، استطاع وضع تصوّر سياسي – أمني لحماية لبنان واللبنانيين والطبقة السياسية فيه منذ تولّيه منصب رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي بُعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بإشراف ومساعدة رئيسه المباشر وصديقه اللواء اشرف ريفي المدير العام لهذه القوى، ولكنّه لم يستطع حماية نفسه من الفخّ الأمني الذي نصبه له أعداؤه وأعداء الوطن في أحد شوارع الأشرفية الضيّقة، حيث سلك طريقه إلى القدر المحتوم.

فمنذ اكتشافه للشبكات الإسرائيلية مروراً بمتفجّرة "عيد" وتصدّيه للمجموعات الإرهابية وصولاً إلى متفجّرات سماحة – المملوك، لمَع اسم وسام الحسن كأحد أبرز رموز الأمن في لبنان، حيث استطاع من خلال ذلك نسج شبكة من العلاقات الأمنية المحلّية والإقليمية والدولية خوّلته أن يصبح من الأوائل المتقدّمين في مجاله إلى أن اغتالته آلة القتل الغادرة عصر ذلك اليوم المشؤوم.

إلامَ يؤشّر اغتيال الحسن؟

بدايةً، يخطئ من يظنّ أنّ اغتيال وسام الحسن كان فقط عملية انتقامية من رجل أمن كبير قدّم ما قدّمه من إنجازات أزعجت بعض الأطراف المحلية والإقليمية في كثير من الأوقات، وشكّلت حاجزاً منيعاً أمام تنفيذ مخطّطاتهم، فالعملية، وإن كان الانتقام أحد أهدافها، غير أنّها تحمل في طيّاتها أسباباً أدهى وأخطر من تلك التي ظهرت على سطح الساحة السياسية حتى الآن وأبرزها الآتي:

أوّلاً: صحيح أنّ اغتيال الحسن يعني اغتيال العقل الأمني لقوى 14 آذار، كما ردّد البعض، ولكنّه يعني أيضاً اغتيال رأس آخر معقل امني استقلالي في لبنان.

ثانياً: إنّ اغتيال رئيس جهاز شعبة المعلومات يعني ضربة معنوية كبيرة لهذه الشعبة وامتداداتها في طول البلاد وعرضها، ومحاولة لضرب الدور الأمني والسياسي الذي كانت تؤدّيه هذه الشعبة في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره السياسي.

ثالثاً: إنّ استهداف الحسن يكاد يساوي في مضمونه اغتيال الرئيس سعد الحريري "بالوكالة"، مع كلّ ما يعنيه هذا الأمر في السياسة. فقد كان وسام الحسن عينه وعقله وأذنيه أثناء وجوده في لبنان، وخصوصاً في فترة غيابه القسرية عن الوطن بعد إسقاط حكومته منذ أكثر من سنة ونصف بالطريقة التي أسقطت بها.

رابعاً: إنّ عملية الاغتيال رسالة واضحة للرئيس الحريري بالبقاء خارج لبنان، ومحاولة لمنعه "بالإقناع الترهيبي" بعدم العودة إلى البلاد.

خامساً: تثبيت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في موقعه ودعمه في استكمال دوره المرسوم له للفترة المقبلة وما سيتخلّلها من أحداث يفترض حصولها من دون وجود الحسن على رأس جهازه الأمني، وفي غياب الدور الاستراتيجي الذي كان يمارسه.

سادساً: إنّ استهداف الحسن رسالة واضحة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي كان قد استقبله برفقة اللواء ريفي وأثنى على جهودهما إبّان ضبط وانكشاف متفجّرات "سماحة – المملوك" مقدّراً دورهما الكبير في حماية لبنان من هذه المؤامرة.

سابعاً: رفع المظلّة الأمنية عن البلاد عموماً، وعن قوى 14 آذار خصوصاً، مع ما يعنيه هذا الأمر من مؤشّرات لعودة الاغتيالات والتصفيات الجسدية لقادة هذه القوى في المرحلة المقبلة، أي استكمال مسلسل اغتيالات 2005 وربّما بوتيرة أسرع وأشرس هذه المرّة.

ماذا يعني كلّ هذا الكلام؟

يعني ببساطة أنّ البلاد مقبلة على أحداث مقلقة بعد عمليّة اغتيال الحسن وما سيليها من تطوّرات دراماتيكية، ستزيد معها شراسة المعتدين على الأرجح، وتتطلّب المزيد من التعاون والتضامن بين مختلف قوى "14 آذار" ومزيداً من الإصرار على المواجهة لأنّ البديل سيكون "مأتم وداع" لمزيد من الشهداء ليس إلّا.  

السابق
دوريات مؤللة للجيش في شوارع طرابلس
التالي
8 آذار: ميقاتي باقٍ باقٍ باقٍ