الحسن..كأنه عاد إلى موكب الحريري

من مرات نادرة لا يكون إلى جانبه، لم يكن وسام الحسن في موكب الرئيس رفيق الحريري يوم اغتياله. برّر في ما بعد غيابه بأنه كان يتقدّم لامتحان جامعي. البارحة اغتيل بطريقة مشابهة. كأنها الطريقة نفسها. أو كأنه ــ بعد سبع سنوات ــ اغتيل في موكب الرئيس الراحل

في المرحلة الأخيرة، أجرى وسام الكثير من التبديل في حياة استثنائية كان يعيشها منذ أضحى رئيساً لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. باع بيته في الصنائع وكرّس بقاء عائلته في باريس. اعتاد لسنوات أن يعيش وحده، فيما عائلته هناك. يزورها من حين إلى آخر، ثم يعود إلى مكتبه الأنيق في جناح فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يلزمه معظم الوقت.
قلّما يتوقع أي أحد أن يرفع في مكتبه صورة لا تمت بصلة إلى منصبه أو وظيفته. ثمّة ما كان يُبرّر وجود صورة رئيس الجمهورية فوق طاولته، وصورة المدير العام في جانب آخر. لكن ما لا يُفسَّر إلا لدى وسام صورة الرئيس رفيق الحريري. لمّا يزل الحريري في صلب منصبه ومهمته، وقضيته.
لم يحظَ بدور كالذي آل إليه قبل اغتيال الرئيس الراحل. أقرب مرافقيه إليه، مسموع الكلمة لديه، والأكثر التصاقاً بمزاجه وقراراته. لم يسهل مرة الوصول إليه من دون المرور بوسام. بعد اغتيال الحريري، استقال من قوى الأمن الداخلي وقرّر الذهاب إلى بيته. أعاده الرئيس فؤاد السنيورة كي يحمله إلى حقبة جديدة مثّلت مجازفة حياته.
مع اللواء أشرف ريفي أشهَرَ وسام عداءً مفضوحاً وعلنياً لسوريا منذ اتهمها باغتيال الرئيس الراحل. في سابقة غير مألوفة، لم يجارها الجيش، وضعت قوى الأمن نفسها في المقلب الآخر مع نظام الرئيس بشّار الأسد. في المقلب المعاكس للحكومة اللبنانية التي هادنت دمشق مرة، وصالحتها أخرى، وتعاونت معها في معظم الأحيان، في حكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري. في هذا المكان فقط لم يتصوّر وسام ــ ولا يتصوّر اللواء أشرف ريفي اليوم كما قبلاً ــ أن قوى الأمن هي جزء من الدولة اللبنانية في هذا الخيار. ذاك ما كان يعنيه أنهما لا يصغيان إلا إلى اغتيال الحريري الأب. قيل أحياناً إن وسام أوسع نفوذاً من المدير العام، وقيل أيضاً إن للمدير العام من حصانة الدور ما يمكّنه من رفض أمر رئيس الجمهورية. قيل إن الاثنين لا يتبعان وزير الداخلية، بل هو الذي يتبعهما. معهما أصبحت قوى الأمن على صورة قوى 14 آذار، وإلى حدّ بعيد جيشها.
لم يُخفِ وسام مرة القول إنه في قلب تيّار المستقبل، وإنه رجله القوي في قوى الأمن. لأنه كذلك، أصبح رئيساً لفرع المعلومات الذي يحتاج إليه السفراء جميعاً، ووزراء التيّار وقوى 14 آذار ونوابهما جميعاً. لا أحد بين نظرائه على رأس أجهزة الاستخبارات طلبت استخبارات العرب والغرب التعرّف إليه، وزيارته إياها، والحصول على المعلومات المتوافرة لديه، والتنسيق معه. ولا أحد سواه وفرعه أعطي التجهيزات والأموال والقدرات التي مكّنته من كشف شبكات تجسّس وخلايا إرهابية، والتحوّل قوة ضاربة.
كان على وسام أن لا يكتفي بضمان سلامة قوى 14 آذار، بل أن يطمئنها إلى أنه يحميها. كلما بلغته معلومات أو تقديرات باحتمال الاعتداء على أحد منها سارع إلى تنبيهه. يذكر له الرئيس أمين الجميّل والنائب سامي الجميّل وسمير جعجع وآخرون كثيرون هذا الفضل.
عندما تصالح الحريري الابن مع الأسد، علم قليلون بأن وسام زار دمشق واجتمع بالرئيس السوري الذي رغب في التعرّف إليه. قيل إن الأسد سأل عنه في لقائه الثاني برئيس الحكومة آنذاك. كتم وسام موعد اللقاء، وأفصح أنه استغرق أكثر ممّا كان متوقعاً. أكثر من ساعة. سأله الأسد عن الكثير من مهنته وحادثه بلطف في مسائل شخصية تتصل بحياته وعائلته. عندما عاد إلى بيروت، وأطلع بعض أصدقائه على الزيارة تلك، لم يُوحِ أبداً بأنه فتح صفحة جديدة مع سوريا، وتخلّص من عدائه لها، ومن اعتقاد مسبق ليس سهلاً تبديده فيه، أنها لم تنتزع منه الرئيس الراحل. لم يصدّق كذلك أن الحريري الابن تصالح مع سوريا.
لم توحِ قسماته الهادئة بأنه يهوى اصطياد الحيوانات الضارية. ولم ينتبه من اليوم الأول، ككل ضابط استخبارات محترف، أن في غابة مهنته ضراوة. من مرافق لرئيس الحكومة بنى شبكة واسعة من العلاقات العامة إلى ضابط استخبارات تغلغل في كل الإدارات والمؤسسات، في بيوت السياسيين وأسرارهم، وفي هذا الكمّ من الملفات والتقارير التي تختلط فيها أوراق مخبريه بوثائق سفارات متعاونة. في مكتبه حيوانان ضاريان مُصبّران. اصطادهما وسام قبل سنوات في أفريقيا وجلبهما إلى مكتبه. أسد وفهد ضخمان. عدّهما دائماً فأل خير من أجل أن يكسب مواجهة ضارية أخرى يخوضها.
هكذا في مهنة جمع المعلومات والاستقصاء، في فرع ظلّ حتى اللحظات الأخيرة في حياته غير قانوني، تحوّل وسام إلى لاعب في لعبة لم يكن يسعه أن يُقدّر ـ ولا أي أحد سواه ـ أنها ستقوده وقوى 14 آذار، من معركة قاسية هي كشف قاتل الحريري الأب إلى أخرى تهزّ نظاماً برمته.
ربط اغتيال وسام بكشف خطة الوزير السابق ميشال سماحة، نقل عبوات من سوريا إلى لبنان، قد يكون قليلاً. وقف هذا الرجل عند التقاطع الخطير الذي وقفه قبله الحريري الأب، وقبله الرئيس رينيه معوّض، وقبله الرئيس بشير الجميّل، وقبله كمال جنبلاط. قد يكون كثيراً على ضابط أن يضع نفسه عند هذا التقاطع الخطير.

السابق
التعرّف إلى هوية الحسن من مسدسه الحربي وساعة يده بعد تحوله الى اشلاء
التالي
14 آذار إلى الشارع مجددا… فهل يقدم ميقاتي استقالته ؟