بين الإبراهيمي والحذر من الهدنة


«حدود تقاطع المصالح الدولية، خصوصاً بين كل من روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، لم ترسم بعد». بهذه العبارة وصفت مصادر دبلوماسية عربية مسار الوضع الحالي في العالم، وليس في المنطقة ولا حتى في سورية على وجه التحديد.
وأوضحت المصادر الدبلوماسية أن العلاقات الروسية ـ الصينية وصلت ولأول مرة في تاريخها إلى تحالفات استراتيجية فعّالة وقوية، من زاوية الرؤية المشتركة لقيادتي البلدين بأن المخطط الأميركي في جميع مناطق العالم، لا يستهدف المصالح الروسية فقط بل المصالح الصينية الاستراتيجية أيضاً، مع اعتبار كل من روسيا والصين وخصوصاً في ما تتعرض له سورية من مؤامرة أميركية ـ أوروبية ـ عربية وتركية، أن هذه الحرب الموجهة والمستهدفة لسورية هي حرب مباشرة عليهما، وأن سورية تقاتل عنهما، ولذلك فإن القيادتين الروسية والصينية لن تتخليا عن سورية لناحية دعمها مالياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، وتم فتح أسواقهما أمام الصادرات السورية بكل أنواعها، وكلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير يشير بوضوح إلى صلابة الموقف الروسي من سورية، وقبله كلام وزير خارجيته سيرغي لافروف خلال لقائه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بعدم تخلي روسيا عن الرئيس بشار الأسد لأن الغالبية الشعبية السورية تدعمه، وتقف إلى جانبه في حركة الإصلاحات التي أنجزها على أكثر من صعيد.

وعن مهمة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي إلى سورية، ونتائج جولته الأخيرة على بعض دول المنطقة، كشفت المصادر الدبلوماسية عن أن الإبراهيمي لم ينجح في إحداث خرق في جدار الحل السياسي لأنه لم يحصل على الضمانات المطلوبة من الدول التي ترعى الإرهاب القائم في سورية وهي نفسها تحتضن المجموعات المسلحة وترعاها وتدعمها بالمال والسلاح والمقاتلين الذين يفدون إليها في معظمهم عن طريق تركيا والبعض عن طريق لبنان والأردن.

وتقول المصادر الدبلوماسية إن الإبراهيمي ما زال في مرحلة تلمس الأفكار، ولكنه حتى الآن لم يضع تصوراً للحل السياسي وإن كثرت الأقاويل عن احتمال عقد هدنة بين الجيش السوري والمجموعات الإرهابية بمناسبة حلول عيد الأضحى، ولكن حتى هذه الفكرة تحول دون تحقيقها عقبات أساسية تشكلها المجموعات المسلحة التي ليس لها مرجعية موحدة خصوصاً التباين والخلاف القائم بين المجموعات والعصابات المسلحة السورية وبين التنظيمات «الجهادية» القادمة من خارج سورية وهي في الأساس مدعومة من قبل المخابرات السعودية والقسم الآخر تدعمه دولة قطر، ناهيك عن الدعم الحقيقي الذي يأتي من المخابرات الأميركية وهي التي توجه المجموعات الإرهابية بالطريقة التي تتناسب مع مصالحها في سورية والمنطقة في آن معاً.

وتعتبر المصادر الدبلوماسية العربية أن جولة الإبراهيمي وتحديداً في السعودية وقطر لن تعطي ثمارها الإيجابية، لأن القرار الحاسم والنهائي بهذا الشأن يعود إلى الإدارة الأميركية وليس للسعودية وقطر، وطالما أن الإبراهيمي لم يلتقِ المسؤولين الأميركيين فهذا يعني أنه لن تتبلور صيغة الحل السياسي في سورية خصوصاً في غياب الحسم العسكري النهائي على الأرض السورية وإن كان زمام المبادرة هو بيد الجيش السوري وأن تواجد المجموعات المسلحة في بعض المحافظات يشبه إلى حد كبير بقع جلد النمر، أي انه غير مترابط بين بعضه البعض، ولكنه في الوقت نفسه ما زال بإمكانه القيام بأعمال تخريبية أكثر من الجيش السوري حيث أثبتت الأحداث في كل من دمشق وريفها وحلب وريفها قدرة هذا الجيش وقوة تماسكه في ملاحقة الإرهابيين وسحقهم، وتوجيه ضربات قاصمة إليهم وإلى قياداتهم وأوكارهم.

وترى المصادر الدبلوماسية أن الإبراهيمي الذي سيزور دمشق يوم غدٍ السبت سيبلغ الرئيس الأسد بنتائج جولته على الدول التي زارها وفي ضوء ما يقدمه الإبراهيمي للقيادة السورية لا سيّما لناحية الحصول على ضمانات من الدول التي تدعم المجموعات المسلحة على الصعد كافة، سيتقرر مصير عملية الهدنة التي جرى التداول بشأها وطرحت على بساط البحث كمقدمة لوقف أعمال العنف ومن ثم تحديد آلية الحوار كما تسرب من معلومات عن توجه إيراني وعراقي على هذا الصعيد، ولكن يبقى المهم هو مدى التزام المجموعات المسلحة بأي هدنة في غياب المرجعية الموحدة لهم، وعدم الاستفادة من أي هدنة لإعادة ترتيب أوضاعهم الميدانية في المناطق التي يتلقون فيها ضربات موجعة.  

السابق
حمائم سعد في الثورة السورية
التالي
حدّثنا الإبراهيمي