“أيوب” حصرمة في العيون

«إذا ما الحي عاش بعظم ميتٍ
فذاك العظم حيٌّ وهو ميت»
(من كتاب السؤدد لابن قتيبة)

قبل أيام انجذبت أنظار اللبنانيين وعقولهم نحو الفضاء الذي اخترقه انجازان مهمان:
÷ الأول طائرة من دون طيّار أطلقها «حزب الله» في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد أسقطها الطيران الحربي الإسرائيلي بعدما صوّرت مواقع حساسة داخل الكيان الصهيوني وأرسلت صورها إلى مركز التحكّم لدى المقاومة. وقد حلّقت فوق بقعة قريبة من مفاعل ديمونا النووي.
÷ أما الانجاز الثاني فقد حققه النمسوي فيليكس بومغارتنر بصعوده إلى الفضاء الخارجي في كبسولة رفعها منطاد إلى علو 39 كيلومتراً محطماً بذلك أرقاماً قياسية عدة بينها كسر جدار الصوت بجسده الذي بدا أشبه بطائرة «أيوب» التي حطمت حاجز الخوف من العدو الإسرائيلي وأوجدت واقعاً جديداً شهد للعقول العلمية المقاومة، كما أربك المتحاملين على المقاومة بسبب سلاحها، وجهوزيتها الدائمة لجبه العدو، أو لادّعاءات ظالمة لمقاوميها بأنهم يقاتلون إلى جانب قوات النظام السوري. وقد نفى الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله حصول مثل هذا الأمر.

وفي حين تظاهر الإسرائيليون بأن مثل هذا الاختراق لأجوائهم لا يشكّل خطراً عليهم، ولا يُعتبر هجوماً يستدعي رداً على طريقة حرب تموز 2006 يوم خطفت المقاومة جنديين إسرائيليين على تخوم «الخط الأزرق» بل ربما كتموا إعجاباً بقدرة المقاومة، بوسائلها المحدودة، على تحقيق مثل هذا الانجاز الذي تدرك إسرائيل أهميته نظراً إلى انها أهم صانع لهذا النوع من الطائرات، وتبيع من إنتاجها هذا عشرات الدول في العالم بينها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا…
وأكدت تظاهرها هذا وعدم رغبتها في إخافة شعبها من هذا النوع من الطائرات، بأن سلاحها الجوي لم يسع إلى البحث عن حطام الطائرة ولا إلى نشر تفاصيل عنها وعن المهمة التي أنجزتها والمواقع التي صوّرتها.

في مقابل هذا المشهد الإسرائيلي البليد، قام في لبنان من يحرّض إسرائيل على المقاومة، وينشر الخوف بين اللبنانيين من ان طائرة «حزب الله» قد تتسبب بحرب جديدة بين إسرائيل ولبنان، مقدماً عرضاً مجانياً للعدو بالاعتداء على اللبنانيين وأراضيهم وأرواحهم وأرزاقهم، لمجرد ان فريقاً من هؤلاء نذر نفسه لحماية وطنه وافتدائه بأرواحه وقرر ان يوازن، وإن رمزياً، بين الطلعات الجوية الإسرائيلية اليومية في الأجواء اللبنانية وانتهاك السيادة اللبنانية.
وبالنزول إلى الأرض، تكاد المطالبة المسيحية بقانون للانتخاب يحقق للمسيحيين العدالة والتمثيل الصحيح، تصم الآذان، من دون ان يكون هناك من يسأل: من أوصل المسيحيين إلى هذه الحالة المأسوية بحيث يجدون أنفسهم متسولين مقاعد، من خارج الحدود، وهي حق لهم؟

بل من سطا على مقاعد المسيحيين؟ وهل هناك استعداد لدى الأفرقاء الذين سلبوا المسيحيين قرابة نصف مقاعدهم لأن يعيدوها إليهم بطريقة ديموقراطية، أي سلمياً؟
وماذا سيفعل المسيحيون بعد ذلك؟ وهل لديهم مشروع وطني؟
ومن يضمن، إذا أُعيدت المقاعد المسلوبة إلى الجماعة التي تنتمي إليها طائفياً ومذهبياً، ألا يتم «التفرغ» عن بعضها لقوى محلية وإقليمية في مقابل مبالغ من المال الأسود؟
ان قضية الحقوق الانتخابية للمسيحيين، تُخفي قضية أكبر، هي قضية احتكار السلطة، وتعطيل اتفاق الطائف، وتجاوزه، من قمة هرم السلطة، وتجاوز الدستور عن طريق إيجاد أعراف تهدد بتفكك الكيان وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية بين بنيه.

وقد أكد ذلك بوضوح المفتي الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني في لقائه الأخير ومجلس نقابة المحررين، بقوله إن ثمة من «يريد تحويل لبنان إلى عراق آخر، أو سوريا أخرى».
وعندما يقول المفتي إنه «لم تحصل ممارسة سليمة للدستور، ولم يتم تطبيقه تطبيقاً كاملاً وعادلاً»، فإنه يقصد الفريق الذي حكم لبنان منذ الطائف.

ومن غرائب المصادفات ان يكون هذا الفريق الذي لم يشأ المفتي تسميته، هو الذي يقود حملة التحريض على المقاومة، سواء بسبب سلاحها، أو في مواجهة انجاز «أيوب».
وإذ نعى طاولة الحوار لأن «شعار الحوار لا ينفع مع من هو في الشارع»، دعا «للعودة إلى نصوص الدستور»، في كلام موجّه في الدرجة الأولى إلى رئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور ومخالف له، وإلى رئيس مجلس الوزراء المخالف الثاني له، ملاحظاً ان المحافظة على الدستور تتطلب «رجالات دولة لا رجالات حكم».  

السابق
ملابس ميشيل أوباما بـ3 آلاف دولار
التالي
سوريا: نحنُ والموت جيران!