حزب الله في سورية.. أين السرّ؟

لم يكن الامر يوما سرّا. تكفّلت الايّام والاحداث والجنازات بكشف عمق تورط «حزب الله»، وهو لواء في «الحرس الثوري» الايراني عناصره لبنانية، في الاحداث السورية. كان ذلك معروفا لدى العامة منذ اعلن المسؤولون الايرانيون الواحد تلو الآخر انّهم معنيون مباشرة بالحرب الدائرة في سورية وفي ضمان الانتصار على الشعب السوري. ولكن كان هناك دائما من يبحث عن اثباتات. وقد أتت الايام الاخيرة بتلك الاثباتات وبأن هناك تورطا ايرانيا مباشرا وعبر لبنان في الحرب على الشعب السوري.

ذهب احد القادة العسكريين الايرانيين الى حد تأكيد ان الحرب على الشعب السوري «حرب ايران». انها في الواقع حرب ايرانية بامتياز منذ نجح النظام القائم في طهران في السيطرة على سورية بشكل تدريجي منذ وصول الرئيس بشّار الاسد الى الرئاسة صيف العام 2000، وحتى قبل ذلك عندما بدأ الاسد الابن يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية في ضوء تدهور الحال الصحّية لوالده ابتداء من السنة 1998.
بغض النظر عن مقتل هذا العنصر او هذا القائد الميداني من «حزب الله» في سورية، فانّ تورط «حزب الله» في قمع الثورة الشعبية في البلد الجار للبنان، يعكس اتجاها واضحا بدأ يتبلور منذ العام 2005 يصب في إنجاح عملية ايرانية مدروسة بشكل جيّد وبأدقّ التفاصيل هدفها النهائي الربط بين طهران وبيروت ومن ثمّ جنوب لبنان عبر البصرة وبغداد ودمشق…

كان لافتاً ان الملك عبدالله الثاني حذّر في تشرين الاوّل- اكتوبر 2004 ما سمّي «الهلال الشيعي»، بالمعنى السياسي للكلمة، اي بالحلف الذي تنوي ايران اقامته من منطلق مذهبي، ليس الاّ، للهيمنة على العراق وسورية ولبنان…ومدّ نفوذها في اتجاهات اخرى، خصوصا في اتجاه الخليج العربي. لم يتجرّأ،وقتذاك، غير عبدالله الثاني على قول هذا الكلام السياسي الدقيق الذي لا علاقة له بأي شكل بالمذهبية. فتاريخ الهاشميين، وهم من اهل البيت، يشهد على ذلك.
هناك بكلّ بساطة ما هو ابعد بكثير من سقوط هذا المقاتل من «حزب الله» او ذاك في المواجهة الدائرة بين الشعب السوري والنظام القائم الذي يرفض الاعتراف بانّه انتهى. لم يعد مكان في المنطقة لانظمة من هذا النوع تقوم على اطلاق شعارات فضفاضة مثل «المقاومة» و«الممانعة» من اجل تغطية الطبيعة الحقيقية للنظام وهي للاسف الشديد طبيعة مذهبية، اخذت مع الوقت طابعا عائليا محضا، خصوصا ابتداء من السنة 2000.

نعم، هناك ما هو ابعد بكثير من سقوط قتلى لـ «حزب الله» في الاراضي السورية. الامر يتعلّق بالاصرار الايراني على انقاذ النظام السوري بأيّ ثمن كان من جهة والعمل في الوقت ذاته على الامساك بلبنان في حال سقط النظام السوري من جهة اخرى. يعتبر سقوط النظام السوري بمثابة سيناريو «مرعب» للمسؤولين الايرانيين الذين سعوا في كلّ وقت الى انقاذ النظام من دون عثورهم على طريقة تمكّن هذا النظام من انقاذ نفسه. تلك مشكلة ايران التي ستتوجب عليها عاجلا ام آجلا مواجهة الحقيقة المتمثّلة بانّ النظام السوري غير قابل للانقاذ بأيّ شكل نظرا الى ان مشكلته غير مرتبطة بالاصلاحات او بأيّ شيء من هذا القبيل. انها مشكلة نظام تابع لاقلّية تسعى يوميا الى المزايدة على السوريين والادعاء بأنّها قادرة على اعطائهم شهادات في الوطنية ليسوا، في طبيعة الحال، في حاجة اليها.

من هذا المنطلق، نجد انّ ما يعاني منه لبنان الذي يقاطعه السيّاح العرب، خصوصا الخليجيين منهم، وذلك للمرّة الاولى منذ قيام الجمهورية اللبنانية، وحتى قبل ذلك، جزء لا يتجزّأ من اللعبة التي تمارسها ايران اقليميا. هل يمكن لايران البقاء في لبنان، او على الاصحّ ابقاء لبنان تحت سيطرتها، كما هي الحال الآن في حال سقوط النظام السوري؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يفسّر الى حدّ كبير اندفاع «حزب الله» في اتجاه التورط اكثر فأكثر الى جانب النظام السوري في الحرب الشرسة التي يشنّها على شعبه.

جاء تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية، حكومة «حزب الله» في سياق السعي الايراني المبكر الى استكمال وضع اليد على لبنان في ضوء الضعف الذي يعاني منه النظام السوري. ما لا يمكن تجاهله في اي وقت ان ايران استطاعت، عن طريق «حزب الله» ملء الفراغ الامني الذي خلّفه الانسحاب العسكري السوري من لبنان نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 2005.
ما نشهده حاليا هو فصل آخر من مسلسل طويل معروف كيف بدأ وليس معروفا كيف سينتهي؟ بدأ بقرار ايراني بالوصول الى المتوسط، الى بيروت تحديدا، والى اقامة خط تماس مع اسرائيل في جنوب لبنان، من منطلق ان ايران قوة اقليمية وانّها المنتصر الوحيد من الحرب الاميركية على العراق.

كيف سينتهي المسلسل؟ الجواب ان الشيء الوحيد الاكيد هو ان السقوط الوشيك للنظام السوري غيّر الحسابات الايرانية وغيّر حسابات ادواتها، من بينها «حزب الله» الذي بات عليه التفكير بمستقبله. وهذا ما يفسّر تخبط الحزب وذهابه بعيدا في التورط مع النظام السوري، حليفه المذهبي الاوّل وغير الاخير بوجود النظام الايراني. هل يدفع لبنان ثمن هذا التخبط؟ الامر وارد لولا ان اللبنانيين يدركون ان النفوذ الايراني في لبنان سيتضاءل الى حد كبير مع سقوط النظام السوري وأنّ الحكومة الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي هي آخر الحكومات الايرانية في لبنان…  

السابق
مصر دولة المؤسسات..
التالي
قصة حياة أو موت