الخطاب الحاقد في المستقبل

من منطلق الحرص على معرفة الحقيقة عما يجري في لبنان والمنطقة، أحرص دائماً على أن أشاهد النشرات الإخبارية الرئيسية وبعض البرامج الحوارية السياسية على التلفزيون، أتنقل من محطة إلى أخرى بحثاً عن الرأي والرأي الآخر.
من بين كل هذه المحطات التلفزيونية الناطقة «بلغة الضاد» الممتدة على مساحة العالم العربي وأوروبا وأفريقيا لم أجد محطة أكثر إبتعاداً عن الحقيقة والموضوعية من تلفزيون «المستقبل» بالنسبة لكل ما يتعلق بسورية. الحقد والكراهية يبدوان على جبهة وعيون وشفاه المذيعين والمذيعات والمقدمين والمقدمات وتنتقل هذه العدوى بفعل قادر إلى الضيوف والضيفات على شاشة المستقبل.

من يستمع لأخبار المستقبل وعبقرية المحللين والضيوف يعتقد أن السوريين أجبروا كافة المجتمعين في الطائف عام 1989 للتوقيع على الإتفاق، وأنهم أجبروا رئيس وزراء لبنان الراحل، الشهيد رفيق الحريري على العودة إلى لبنان وتسلم رئاسة مجلس الوزراء لأكثر من عشر سنوات حكم فيها كحاكم أوحد وأن كتلة المستقبل فازت في الإنتخابات النيابية بالقوة وأن الرئيس الحريري إجتمع مع أهم قادة العالم فوقع المعاهدات معها وفي لبنان عيّن وأقال وبارك وبنى وتعاقد وإجتمع وأبعد وتحالف ودفع وهزم وألغى وأعطى ووهب إلى ما هنالك من إنجازات وأفعال بالقوة.

هل يمكن أن يكون السوريون قد أرغموا الرئيس الشهيد أن يكون رئيساً لمجلس الوزراء؟ وأن يقود سياراته مرغماً ويدير أمبراطوريته المالية مرغماً؟ وهل يمكن أن يكونوا قد وحدوا الدولة اللبنانية التي كانت منقسمة إلى كانتونات ومحميات وجزر أمنية آنذاك بالقوة؟ وأنهم وحدوا الجيش وسلحوه ورعوا عقيدته بالقوة؟ وهل يمكن أن يكون اللواء أشرف ريفي والعميد وسام الحسن قد تطوعا في قوى الأمن الداخلي مرغمين وأن الرئيس فؤاد السنيورة حكم وتحكم بوزارة المالية في لبنان لسنوات كثيرة بالقوة وأن الرئيس سعد الحريري زار دمشق قبل أكثر من سنتين بالقوة يرافقه حشد من الوزراء المستقبليين الذين أعادوا التوقيع على الإتفاقيات بين لبنان وسورية والتي قالوا يومها أن معظمها لصالح لبنان؟
هل يمكن أن يكون الرئيس رفيق الحريري قد أعاد بناء وترميم الأسواق التجارية في بيروت بالقوة؟ وأن حصول لبنان عام 2002 على جائزة إحدى الدول «الأكثر أماناً في العالم» كان بالقوة؟ وأن السوريين كانوا طوال فترة ثلاثين سنة أو أقل قوة إحتلال كان خلالها أبناء وأصدقاء وجيران تيار المستقبل مجبرين على التعامل معهم؟ وأن كل هؤلاء الوزراء والنواب والصحفيين والمدراء العامين والضباط والحراس والمستشارين كانوا مرغمين على قبول وظائفهم خلال فترة الوجود السوري في لبنان بالقوة؟

كل ما يذاع على شاشة المستقبل هو أخبار التمني ولكن بلغة الماضي. والتمني هنا تعني المستقبل لغوياً. كان يجب أن يضعوا كلمة «نتمنى» قبل كل خبر أو حرف السين الذي يرمز إلى المستقبل. هذا الحقد الكريه تجاه سورية وحاضرها وتاريخها ومستقبلها لا يمكن أن يأتي من أناس يدعون الإنتماء إلى العروبة وما يتبع هذا الإنتماء. الحقد المتفرع من تلفزيون المستقبل تجاه سورية تجاوز ما يكنه «المفكر» فارس سعيد وما بشر به إتيان صقر (أبو أرز) بالتأكيد يؤهل تلفزيون المستقبل للحصول على أرفع جائزة إعلامية في «إسرائيل» لإقدامه على بث سموم التفرقة المذهبية والتحريض على الكراهية والتشجيع على الفتنة بين أبناء الوطن الواحد والعمل على عزل لبنان عن محيطه القومي.

من يسمع الأخبار في تلفزيون المستقبل يعتقد أن الرئيس السوري بشار الأسد سيستسلم قبل صياح الديك، وأن قادة الجيش السوري والمخابرات يفتشون ليلاً نهاراً عن مواطنين أبرياء في المدن والقرى السورية والحدودية اللبنانية ليبطشوا بهم ويقتلوهم ويشوهوا جثثهم، وأن قوات الجيش السوري على وشك الاستسلام لقوات «الجيش اللاحر» الذي أكدت الكثير من وسائل الإعلام الحليفة للمستقبل أنه جيش من المرتزقة تجمعوا بقدرة قادرين كبندر بن سلطان والطيب أردوغان وبنيامين نتنياهو وحمد بن جاسم وسعود الفيصل وليون بانيتا وبالطبع سعد الدين الحريري ورفيق دربه في العروبة والنضال سمير جعجع والنائب الهارب من ناخبيه «الصقر» عقاب، ولا ننسى قائد نشرة الأخبار في تلفزيون المستقبل المذيع الملهم منير الحافي والمحلل الآتي من كوكب الزهرة الإعلامي علي حمادة والإعلامية التي كانت ذات يوم من أنجحهن بولا يعقوبيان.

من يستمع إلى أخبار المستقبل وراديو الشرق يعتقد أن «إسرائيل» أصبحت عضواً في جامعة الدول العربية وأنها المدافع الأول عن حقوق الإنسان العربي وأن سورية هي التي إحتلت تركيا أكثر من خمسمئة سنة وأن السوريين هم الذين إرتكبوا المجازر بحق الأرمن في بداية القرن العشرين وأنهم المسؤولون عن تهجير الفلسطينيين من أرضهم وأنهم، أي السوريين مسؤولون عن كافة الفيتوات التي إتخذتها الولايات المتخدة ضد قضايانا في مجلس الأمن والأمم المتحدة.
كلمة أخيرة: الحقيقة ستظهر في المستقبل الآتي أن من إغتال الرئيس رفيق الحريري هم أعداء سورية وأعداء لبنان وان ما يحصل في سورية اليوم هو جزء من المخطط الذي قتل رفيق الحريري. فمتى يعي القيمون على تلفزيون المستقبل لهذه المحطة صدقيتها التي كانت مثالاً يحتذى به قبل سنوات قليلة ويعيدون الصدقية إلى برامجهم وأخبارهم ومتى يعود تيار المسقبل كله إلى حقيقة أن سورية ليست دولة عدوة، وأن «إسرائيل» ليست دولة صديقة، بل إن سورية هي الصديقة والشقيقة عبر التاريخ وأن «إسرائيل» هي الكيان المعادي منذ بدأ تزوير التاريخ بعد وعد بلفور المشؤوم عام 1917؟  

السابق
السياسيون عبر تويتر
التالي
خـريـف كهـال الهـواء