تصور أميركي: لبنان إخواني سنة 2020

لا تزال أحداث «11 أيلول الليبي» طاغية على الإعلام والمزاج الأميركيين. ولا يزال تناولها محكوماً بصفتي الصدمة والذهول. لم تفهم واشنطن بعد ماذا حصل في بنغازي ولماذا؟ ولم تفهم ماكينة باراك أوباما خصوصاً، كيف انتكست سياستها الإسلامية، وكيف صُفع وجه ابن حسين الإفريقي ــــ الأميركي من أهل بيته وجلده؟ بل ثمة من يتساءل مشدوهاً في العاصمة الأميركية: منذ ثلاث سنوات ونحن نحضّر لتسليم المشرق كله إلى «الإخوان». منذ 2009 ونحن في جو هذا العرس الإسلاموي ــــ الصهيوني بمباركة فاعلة مسبقة ومرافقة من قبل العم سام، فمن نسف الساحة ليلة الدخلة؟ تساؤلات مشروعة، لكن ما يلفت في حلقاتها أن للبنان حصة في مؤشرات التعجب الأميركي، خصوصاً عند الحديث الأميركي عن «أخونة» المشرق. فكأن في بعض التحضير والتخطيط حيزاً لجعل بيروت جزءاً من عملية «الأخونة»، أو حتى واحداً من مربعات انطلاقتها.
طبعاً يكفي اغتيال دبلوماسي أميركي لإثارة ضجة في بلاده. فكيف إذا اغتيل أربعة معاً. وكيف إذا كان بينهم سفير. وكيف إذا نفذ ذلك بوحشية بهائمية. وكيف، أكثر، إذا سقطوا في بلد «حليف». وكيف، أكثر وأكثر، إذا كان قاتلوهم ممن وصلوا إلى السلطة بدعم أميركي… غير أن ما رافق 11 أيلول الليبي يحمل مزيداً من الدلالات والعجائب. ذلك أن أي مسؤول أميركي لم يكن يتوقع مثل هذا الحدث. حتى حينما أعلن بعض المواقع الإلكترونية التابعة لجهات إسلاموية قاتلة، نيتها مسبقاً تنفيذ الهجوم، لم يؤخذ الأمر على محمل الجدية أميركياً. وهو ما تحول الآن موضع تحقيقات فدرالية، بعد فوات الأوان لذلك السفير الأميركي الطيب ومعاونيه.
وقد يكون وجه هيلاري كلينتون دليلاً قاطعاً على أن الإدارة الأميركية كلها كانت قد أضحت منذ مدة في أجواء أخرى، في مناخات مناقضة لما ظهَّرته مأساة بنغازي. كانت أميركا قد صدقت ــــ على طريقة جحا ــــ أن العالم الإسلامي كله قد اعتنق شعارها: «أوباما لا أسامة»، وأن خليفة دبليو بوش قد صحح كل كوارث سلفه. وأعطى الجواب الشافي جذرياً لكل التساؤلات العميقة والعقيمة، من «خطأ» برنارد لويس إلى «كراهية» فريد زكريا. كانت ماكينة أوباما قد اقنعت نفسها، ومن ثم من حولها، بأن البذار التي دسها الرئيس الملوّن في تربة الشرق، منذ خطاب القاهرة في 5 حزيران 2009، قد أزهرت وأينعت، وها هي تعطي الثمار المطلوبة: عهد سلام أميركي مع الوجدان الإسلاموي المركزي، الذي تختصره برأي واشنطن جماعة «الإخوان المسلمين». اتفاق شامل ونهائي لمصلحة واشنطن والغرب، والإسلامويين والشرق، وفي ما بينهم خصوصاً اسرائيل. حتى أن بعض الهامسين في واشنطن يتساءلون: لقد قمنا بكل ما علينا من بنود الاتفاق. حتى شجرة الميلاد في البيت الأبيض غيَّر أوباما اسمها. أسامة بن لادن أزحناه في التوقيت المثالي لهم، بعد انطلاقة «الربيع الإخواني»، حتى لا يستفيد مع «قاعدته» من تطوراته، وحتى لا يدخل بأي شكل من الأشكال منافساً لهم على تركة حلفائنا الديكتاتوريين السابقين. في سيناء كدنا ننجز الاتفاق السري، في تلك البقعة التاريخية الحسّاسة والمتفجرة. هناك تم ترتيب الهجوم الإرهابي، فدخل الجيش المصري إلى فراغ كامب دايفيد من دون اعتراض اسرائيلي. فربح مرسي رصيداً كافياً لاحتكار السلطة في القاهرة، وردّ الجميل لنتنياهو بإقفال أنفاق حماس وحصر العبور تحت أنظار اسرائيل في رفح. كان كل شيء مثالياً. حتى في بيروت، كنا قد بدأنا نحضّر للبنان إخواني بالكامل في العام 2020. حتى أننا حددنا هذا التاريخ لإحدى كبريات مؤسساتنا الجامعية التابعة لنا مباشرة في بيروت. خصصنا لها نصف مليار دولار في ظل هذه الظروف بالذات، لتعدّ نفسها لدورها الجديد. وكانت هي قد خطت خطوات كبيرة على هذا الصعيد. فأبعدت من كل مفاصلها كل من هو غير إخواني. لم تعد تضم أي عميد غير مؤهل للأخونة. حتى شعارها الإنجيلي طلبنا محوه، لتكون أهلاً لمرحلة لبنان سنة 2020، لبنان الإخواني. فضلاً عن كل عناوين سياستنا الأخرى في بيروت: رفضنا استقبال بطريرك كل المسيحيين اللبنانيين والمشرقيين، حاصرنا زعيمهم السياسي، اخترقنا العديد من أحزابهم الصغيرة وجيّرناها بالكامل لصالح الزعامة الإخوانية … ماذا يريدون أكثر من ذلك؟
في العقل الأميركي ثمة من يفكر بأن مؤسسة القرار الإخوانية ناكرة للجميل. لكنه مصمم على الرد بالذهاب أبعد في مخطط «الأخونة». مصدقاً حجة الإخوان بأن كل ما يحصل خلافاً للاتفاق هو من صنع «عناصر غير منضبطة»، خصوصاً من السلفيين. ادعمونا أكثر لنسحقهم، كلفوا «راند كورب» دراسة عن الفوارق بيننا وبينهم، أعطونا المزيد من السلطة والمال، وخذوا منا ما يدهشكم، أكثر بكثير من دهشة هيلاري إزاء اغتيال سفيرها في بنغازي…
تقية الإسلامويين، مفهوم يبدو أن واشنطن ستكتشفه حرفاً حرفاً، بالدم لا بالحبر.  

السابق
ثمن الغطرسة الإسرائيلية
التالي
الخشية من نقل الأزمة أم من انتقال التغيير؟