يوجد قضاة في القدس

"المحاكمة انتهت وتمت"، أعلن ايلي زوهر، محامي ايهود اولمرت، في ختام تلاوة الحكم أمس. وكانت هذه أمنية وليست حقيقة. شيء لم يتم في هذه القصة، شيء لم ينته. في اللحظة التي أنهت فيها رئيسة هيئة المحكمة القاضية موسيه اراد، تلاوة الحكم، نشبت المعركة على الاستئناف. وهذه تعد بان تكون مريرة وانفعالية بقدر لا يقل عن المحاكمة نفسها. "القضية لم تنتهي"، اعلن مدعي عام اللواء ايلي افربنال أمام الميكرفون نفسه قبل دققائق من اعلان زوهر نهاية القضية.
كان يجمل بالطرفين لو أنهما تركا الميكرفون جانبا. فهذا هو الوقت السليم لاحتساء كأس ماء، والارتياح والنظر في الامور – كل طرف في ما فعله. اولمرت نجا من محاكمته برحمة. عندما استمع امس، في قاعة القضاة، الى الاقوال القاسية التي كتبها القضاة عنه، انحنى الى الطاولة أمامه ليخفي بيديه وجهه. ولن يضره أن يقرأها مرة اخرى. فقد وبخه القضاة ليس فقط عن الحالات الاربعة التي عمل فيها في تضارب للمصالح في صالح شريكه ورجل ثقته اوري ميسر، بل وايضا على الطريقة الخفيفة التي وصف فيها ادانته عندما عقب على قرار الادانة قبل شهرين. احد الاعتبارات لدى القضاة في القرار للتخفيف عن اولمرت كان استقالته من رئاسة الوزراء، المنصب الذي على حد قولهم "ليس هناك أرفع منه". وقد دفع ثمنا باهظا جدا، سياسيا وشخصيا، بسبب محاكمته، ثمنا دفع أساسا بسبب الاتهامات التي بُرىء منها. هذا القول من القضاة يقول لاولمرت ضمنا ان المحكمة تعوضك اليوم عن الظلم الذي لحق بك. انت لست ضحية.
يخيل لي أن بين السطور تختفي رسالة اخرى – من القضاة لانفسهم. فهم يعترفون ضمنا بان قرارهم السماح للنيابة العامة باجراء شهادة مبكرة لتلنسكي كان متسرعا. ضرره كان كبيرا بلا قياس مع منفعته. الدروس التي استخلصوها اعطت علائما على المحاكمة باسرها، بما في ذلك الادانة والنطق.

لندع اولمرت يحتسي كأس مائه – فلا بد سنعود اليه – ونتوجه الى افعال وقصورات النيابة العامة في هذه المحاكمة. الطريقة التي بدأت فيها التحقيقات ضد اولمرت لا تثبت نية مسبقة من المستشار القانوني مزوز، النائب العام للدولة لادور أو فريق مساعديهما للاطاحة برئيس وزراء. ولكن ما بدأ كجملة تحقيقات موضعية، ضرورية الى هذا الحد او ذاك، اصبح بالتدريج صيد ساحرات. وبلغ الصيد ذروته في حالات ظهور النائب العام للدولة في قضية تلنسكي. لقد انتصر لادور على اولمرت – وخسر في المحاكمة. والسؤال الذي ينبغي أن يسأله لنفسه اليوم هو ما الذي اراده حقا، هل نوازعه، اراؤه المسبقة، طموحه، لم تتغلب على واجباته كنائب عام.
لقد عنيت المحاكمة، ظاهرا، بدفعات على بطاقات سفر، مغلفات مال للانتخابات وخاوة لصديق. ولكن ذات النواب العامون الذين اتخذوا القرارات كانوا منشغلين بالتوازي بصراعات اخرى، عن مكانة النيابة العامة، عن صورتها الجماهيرية وعن مبرر قراراتها. في هذه الصراعات اشتبه باولمرت كعدو. وكان مطلوبا قوة فوق انسانية للفصل بين هذه وتلك، ولادور لم يتميز بقوى فوق انسانية. ولا حتى هو يعتقد ذلك.
وكانت قرارات غريبة ينبغي التفكير فيها مجددا، على كأس ما. "الحالة الحالية خاصة جدا"، تقول المحكمة. عمليا، تنقص سابقة في مكانة المتهم وانتباه الجمهور. المتهم يستأجر كبار المحامين في البلاد. على الرغم من ذلك، المدعي في الملف ليس النائب العام للواء بل نائب عام شاب نسبيا سلوكه، كيف يمكن القول، موضع خلاف. لادور وافربنال بعثا بالمدعي العام، اوري كورف، الى الساحة، وقد افترسته اسود اكبر منه. ولم يفهما بان كورف وحده افترس هناك – بل الثقة بالنيابة العامة ايضا.
وكانت ادانات، غبية وعمياء. المحكمة شعرت بها. النيابة العامة طلبت ان تفرض على اولمرت العار. وحين اوضح لها بانه لا يلقى العار على مواطن خاص ادعت بان المخصص الذي يتلقاه مكتبه يرفقه بخدمة الدولة. وعندما تخلى عن المخصص ادعت بانه لا يمكنه ان يتخلى طوعا عن المخصص – فليتلقى العار اولا وبعدها يفقد المخصص، وكله باسم سلطة القانون.

العقاب الخفيف الذي فرض على اولمرت أعاده دفعة واحدة الى التخمين السياسي. فهو يمكنه أن يتنافس في الكنيست. ليست محاكمة هولي لاند تمنعه في هذه اللحظة من التنافس، ولا الاستئناف المحتمل في المحاكمة الحاليا ايضا. حقيقة أنه لا يوجد في معسكر الوسط – اليسار في هذه اللحظة مرشح يعتبر متساوي القوة مع نتنياهو تشجع عودته الى الساحة. يوجد فراغ. نتنياهو سار شوطا بعيدا جدا الى اليمين. نزاعه مع الادارة الامريكية وموقفه من الموضوع الايراني يبعثا التوق الى زعامة برغماتية، مكبوحة الجماح؛ باراك يجد صعوبة في ان يميز نفسه عنه؛ تسيبي لفني تتردد؛ يحيموفتش تعنى بالصغائر؛ لبيد لم ينضج بعد. اما لاولمرت فيوجد ظاهرا احتمال بان يستقبل كملاكم بالوزن الصحيح، بصفته الوحيد القادر على التنافس امام نتنياهو والانتصار.
على الرغم من ذلك أعتقد أن من الافضل له أن يحتسي كأس ما قبل أن يقرر بانه حانت العودة. كل شيء يحصل له بسرعة شديدة، في توقيت سابق لاوانه بشدة. الجملة القاسية التي كتبها عنه القضاة لا تستبعده عن الولاية، ولكنها تثقل عودته. يجب السماح لها بان تترسب.
ما يحتاج ايهود اولمرت الان هو قدر من التواضع، وهي ميزة لا تتناسب على نحو خاص مع مزاجه. امس عرف كيف يخفض رأسه. مشوق أن نرى كم من الوقت سيصمد.   

السابق
خطاب أوباما: انقلابات شرق أوسطية كاسحة
التالي
خطاب النووي لبن غوريون