هذه الجامعة.. ما اسمها؟

لا أقصد جامعةً علميّةً أو مركزاً تربويّاً بالذات، بل هي إيّاها، التي يعرفها جيل اليوم باسم «الجامعة العربية» بعد حذف نصف اسمها لغايات سياسية، ومن دون أن يحسّ أحدٌ أو يعرف أو يفكّر في الربط بين الاسم والفعل المطلوب.
قديماً قيل: لكلٍّ من اسمه نصيب. فما هو اسمها الصحيح؟

حين نطق وزير خارجية بريطانيا «العظمى» ـ أنطوني إيدن ـ في أعقاب الحرب العالمية الثانية بالرغبة الملكية السامية، وبلغةٍ ديبلوماسية ألِفناها وعرفناها ـ عبر صياغة كلمات «وعد بلفور» الذي يمكن تفسيره بألف ألف طريقة، وتفسير الجهة الأقوى، هو الذي يفوز ويسيطر .

أقول: حين نطق أنطوني إيدن بتصريحه المشهور الذي سمح بتشكيل الجامعة إيّاها قائلاً إنّ بريطانيا تنظر بتقديرٍ كبيرٍ لإقامة اتّحادٍ أو جامعةٍ عربيّة تضمّ البلدان العربية لتكون ناطقةً بِاسمِهم، وتدلّ على وحدتهم، عرفنا في أيّ اتّجاه نسير، ولكنّ السياسيّين في العالم العربي، فطاحل السياسة الهروبية والدونيكشوتية، تلقّفوا الإيعاز وعملوا على تأسيس الجامعة، وأطلقوا عليها اسم «جامعة الدول العربيّة».
ومن الطبيعي أنّ بريطانيا أرادت إعطاء الدور الأكبر في تلك الجامعة إلى مصر تقديراً لدورها كما قيل في صدّ قوّات النازيين بقيادة رومل، وحماية ما سُميّ آنذاك بـ«شرق السويس». فكان أمينها العام الأول عزّام باشا، مع شرط أن يكون الأمين العام مصريّاً دائماً .

هذه الجامعة التي عجزت عن صدّ أيّ بليّة حلّت بالعالم العربي، وعجزت عن خلق ألفةٍ بين أيّ بلدٍ عربيّ وآخر، وعجزت عن إقامة أيّ مشروعٍ وحدويّ، وعجزت عن إيجاد أيّ تقاربٍ بين بلدٍ عربيّ وآخر، وعجزت عن لعب دورٍ كبيرٍ في «المنظّمة الإسلامية» لوقف المدّ الصهيوني في فلسطين، وعجزت عن خلق حمايةٍ ولو ديبلوماسيةٍ أو إنسانيةٍ للفلسطينيّين في غزّة، وعجزت عن رفع صوتها لتقول لمصر ولرئيس مصر «الإخونجي» أن يكفّوا عن نسف الأنفاق والمعابر التحتية التي تزوّد أهل غزّة بالطعام والدواء وحليب الأطفال ومقوّمات العيش. هل هي.. جامعة؟
لا أعرف لماذا لا تدافع الجامعة نفسهاعن الشعب الفلسطيني في غزّة وفي الضفّة المحتلّة؟ ولا تدافع عن حقّ الشعب البحريني ـ بغضّ النظر عن طائفة المحتجّين والمعارضين، ولماذا لا تدافع عن الشعب الليبي الواقع بين مطرقة المافيات وشركات الاحتكار الأميركية، وسندان المسلّحين الذين يبدو أنهم لا يعرفون ماذا يريدون أن يفعلوا بالسلاح الأميركي والأطلسي الذي تدفّق عليهم من «أولاد الحلال وعشّاق الحرّية ومناصري الشعوب» فراحوا يتذابحون ـ أي يتبادلون الذبح بطريقةٍ «شرعيّة».

لا همّ لجامعة الدول العربية إلا الشعب السوري. وإن سألنا أنفسنا كيف هبط اليوم هذا الحبّ فجأةً على قلب الجامعة، ولم يهبط على قلبها أو عقلها يوم انتهكت الطائرات «الإسرائيلية» سيادة الشعب السوري ودولته ودمّرت ما قيل أنّه مركز أبحاث «نووية». فلا نجد جواباً سوى القول أنّها غيّرت اسمها وغيّرت اهتماماتها من الدول إلى الشعب السوري .
يا جماعة، عودوا إلى اسمكم وأصلكم: «جامعة دول عربيّة» كي تتبختروا في قاعات الفنادق الفخمة وأمام كاميرات التلفزيونات، واتركوا الشعوب العربيّة تدبّر أمورها، فلا يتنطّحنّ أحدٌ ليختار أيّ شعبٍ يساند، وأيّ شعبٍ يتجاهل، على الرغم من أنّهم جميعاً عرب في عرفكم وحسب تصنيفكم.  

السابق
مع أبل..لا خيانة بعد اليوم
التالي
السلام الباقي للإدانة