يساريون ويمينيون ضد الثورة | ||
لماذا يتلاقى اليمين العنصري وبعض أطياف أقصى اليسار في أوروبا على العداء للثورة السورية؟ يُطرح هذا السؤال منذ فترة على كثر من الأصدقاء الذين تفاجئهم مواقف وتعليقات كتّاب وصحفيين تتشارك في نقد الثورة من منطلق العداء لها وحتى الدفاع عن النظام، وليس من منطلق الحرص أو الحياد أو رفض الشوائب والأخطاء، وهي حكماً موجودة وكثيرة.
ويمكن أن ندفع السؤال الى أبعد من ذلك. لماذا لا تحرّك الثورة السورية قطاعات ناشطة من المجتمع المدني العالمي" أو "الغربي"، على الرغم من أن الإعلام والمزاج الشعبي بشكل عام متعاطفان معها؟
ومن العناصر كذلك "الإسلاموفوبيا" التي يتشارك فيها اليمين المتطرّف لأسباب عنصرية وبعض التشكيلات اليسارية لأسباب تتخّذ من العلمانوية والحرّيات ذرائع لها. هكذا يتلاقى كتّاب في أقصى اليمين مع بعض من هم في أقصى اليسار على دعم استبداد آل الأسد بحجّة عدائه للإسلاميين عند الأوائل و"علمانيّته" عند الأخيرين. ويضاف الى هؤلاء جميعاً مهووسو الأقليّات الذين يردّدون مقولات بائسة حول تهديدات الأكثرية وأحقادها.
ومنها يُسر استسلام العديد من الناشطين السياسيين، الطلاب منهم خاصة، لنظريّات المؤامرات لما فيها من تشويق وادّعاء فهم لخفايا الأمور ووقوف على خُبث العلاقات الدولية. وإن كان بعض الجماعات اليسارية أقرب الى إدمان نظريات من هذا النوع، إلا أنها لم تعُد تحتكرها منذ فترة. فاليمين المتطرّف ينازعها عليها ويعتبر المؤامرات "الإسلامية الجهادية" كما المنظومات الدولية أوكاراً للمكائد والدسائس التي تستهدف القوام الوطني للدول وتخترق حدودها وسيادتها.
ومن العناصر إياها أيضاً، تعالي بعض الكتاب التقدميّين "المرموقين" والمؤثّرين في الرأي العام عن التعاطي في قضايا الشعوب وكراماتها وحرّياتها. فما يعنيهم هو الحدود والنفط والجيوستراتيجيا وأدوار الدول الإقليمية المؤثرة وقرارات "الغرب" تجاهها. وبعضهم طبعاً يتطلّع الى الصين وروسيا متأمّلاً عودة الحرب الباردة. وهم في ذلك يلامسون العنصرية ولو من منطلق "الدفاع عن مصالح الدول العربية" متعاملين معها وكأنها كيانات بلا بشر من لحم ودم وحقوق، أو كأنّ سكانها كتل صمّاء تسيّرها الخطط وتضلّلها الأكاذيب "الغربية"، وما عليها سوى الالتفاف حول من يحميها (أو بالأحرى يدّعي حمايتها) من الهجوم الإمبريالي عليها، حتى ولو اضطُر الى طحنها لتجنيبها نجاح التآمر الخارجي!
ومن العناصر أيضاً وأيضاً، تمنّع العديد من المثقفين الذين ناصروا القضية الفلسطينية بجرأة وتصميم عن التعبير عن مناصرتهم للثورة السورية بحجة الخوف من تمزّق سوريا وانتشار الفوضى فيها على نحو يفيد إسرائيل وأميركا.
ومنها أخيراً، استعداد كتّاب بنوا شهرة ومصداقية على مدى عقود لإقامتهم في المنطقة العربية ومعارضتهم سياسات بلادهم تجاهها، للكذب والنفاق مقابل الاستمرار في جذب الأضواء والمغايرة ومناكفة ما يعدّونه سائداً في الإعلام في بلادهم، خاصة وأنه – كما حكوماتهم – ليس على تناقض هذه المرة مع المواقف "الإنسانية" التي لطالما دعوا الى أخذها في الاعتبار.
وهي الى ذلك، لا تملك حتى الآن قيادة سياسية وجهازاً إعلامياً للتعامل مع كل هؤلاء لأسباب كثيرة يمكن البحث فيها. لكنها في المقابل، تملك شجاعتها الأسطورية، وتملك مثقّفين وفنانين وناشطين من طينة استثنائية الإبداع والحكمة والنبل. وتملك مخزوناً من الصبر والأمل يجعل قدرة الاحتمال فيها صعبة الاستنزاف، ومن دون فضل يُذكر لأي من الحلفاء (البخلاء)… |