وطن اللاإستقرار

لا يعني امتصاص حادث أمني أو سياسي أن المسافة اقتربت من حل لأزمات متعددة الطرق، فما أن يتم طي ذيولها حتى تعاود العبث ليس بناحية من هذا البلد بل بمستقبله وصولاً الى التخوف من الأصعب والأخطر، وعلى سبيل المثال ما يجري بين جبل محسن وباب التبانة ما أن تتوقف القذائف ورصاص القنص العشوائي حتى تعاود النار اشتعالها من جديد.
والواضح أن الأحداث المتفرقة ذات صلة بما يدور من حولنا بفعل الانتماء والولاء ويبقى المواطنون ولبنان ككل عُرضة لموجة من التوتر بعد موجة وهكذا لدى بروز أية مشكلة تتعلق بفئة أو فريق وتكون ارتداداتها غير مقتصرة على مكان حدوثها بل لبنان بمقوماته كافة يُعاني منها بقسوة تفتح العيون على مستقبل مظلم من دون بريق أمل بالوصول إلى لجم الغرائز والتفلت من الضوابط الأمنية والوطنية.

هذا كلّه يجعل لبنان عُرضة لتقلبات الرياح الخارجية والداخلية من دون أن يجد من يقصيه عن حافة الهاوية وينقذه من براثن الشحن الطائفي والفئوي المتكرر بأساليب مختلفة لا تشفع بها تصريحات التبرؤ منها أو التحذير من نتائجها لأن العزف على وترها مستمر حتى ولو أدى ذلك إلى إصابة الكل بما يخشونه من تقاسم وتشرذم في وقت أحوج ما نكون جميعاً إلى صوت العقل والضمير والالتزام بالمسؤولية عن مصير وطن وشعب، والكل يعرف استحالة التقاسم والتفرد، فالوطن إما أن يكون للجميع أو لا يكون.

وإذا كان الحاضر على هذه الصورة المخيفة والمفزعة فان المستقبل سيكون أكثر ظلاماً وضياعاً وعرضة للاهتزاز عند بروز أي حدث لا يرضي هذا الفريق أو ذاك والذي حدث في الأيام القريبة السابقة أعطى للوطن صفة الغابة والخضوع لنزوة فردية أو عائلية أو انتماء سياسي ضيّق، واللافت أن من يملكون الردع والضابط غير مبالين بما تؤول إليه ردّات الفعل العاطفي أو المصلحي مع انها لا تقتصر على ناحية بعينها وإنما تشمل البلد الصغير ومناطقه كافة.

وبما أن الحاضر على هذه الصورة المقلقة فان الغد القريب أسوأ بكثير في غياب الروادع والضوابط ولا يبدو أن من بيدهم القرار على استعداد لاتخاذه، وذلك بفعل تضارب المصالح والرغبات ولو على حساب البلد وأبنائه وهم غافلون عن أن المضي على هذا الطريق الذي يباعد ولا يقرّب ويدفع إلى العزلة عربياً ودولياً وفق ما تسببت به حوادث أمنية لا سيما قطع سبل الانفتاح على العالم والتخوف من المجيء إليه وهروب من كان فيه والمعاناة من خسائر اقتصادية ومضاعفة الضائقة الاجتماعية.

ويمكن تدارك الأسوأ بحوار يؤدي إلى تفاهم على حاضر الوطن ومستقبله بعيداً من التجاذب منعاً للغرق أكثر في مستنقع الخلاف والتباعد، أو بمؤتمر وطني يحقق التوحد والانصهار والإرادة المشتركة للانتقال بوطن اللااستقرار إلى وطن المنعة والحصانة ضد تقلبات الرياح الإقليمية والدولية ولا يبدو ان هذه الرغبة ستتحقق ما دامت الاطراف المعنية يعزف كل منها على وتر.  

السابق
متحـف لآثـار البص في صور خـلال أشـهر
التالي
السيد نصرالله يُشرف على أضخم مناورة لحزب الله في البقاع