الساحات في وادي التيم العرقوب أضحت خزان ذكريات لدى كبار السن

في عديد بلدات وقرى العرقوب ووادي التيم، ساحات بدءاً من مركز القضاء مدينة حاصبيا وصولاً إلى بلدة شبعا وكفرشوبا وراشيا الفخار ومرج الزهور وميمس. تلك الساحات كانت تمثل الركيزة الأساسية للاستقبالات في كل بلدة وقرية وتزدحم بالأهالي من أبناء القرى والبلدات المجاورة بمناسبات الأفراح والأتراح والأعياد. وفي حالات استقبال إحدى القوى السياسية الفاعلة على مستوى السلطة. وكان لحضور الأهالي بكثافة إلى الساحة دور حيوي في تأكيد التواصل والتعاون ووحدة الموقف والنسيج الاجتماعي الوطني. وكل ذلك كان يتم في مراحل سابقة أو كما يقولون في الزمن الغابر، حيث لم يكن هناك تطور ومكبرات للصوت ولا جهاز الكمبيوتر. كان المنادي يطلق صوته من المئذنة أو سطح المسجد أو الخوري يكلف الشماس خادم الكنيسة.. يقوم بدق الجرس في حالات الأفراح والأتراح. فكانت تلك الساحات تحتضن الأهالي في جميع المناسبات. أما اليوم تلك العادات أصبحت آخذة باليباس والزوال في عديد قرى وادي التيم كذلك في قرى وبلدات العرقوب، حيث بعض الساحات حل فيها الدمار والخراب وأزيلت خلال فترة تعرض المنطقة للقصف اليومي منذ العام 1968، في الوقت التي لا زالت العديد من القرى والبلدات في المنطقة تعتمد على الساحة بشكل رئيسي في كل المناسبات بالرغم من إصابة عدد من الساحات بمرض الحداثة، ولم يعد لها أي دور في تفعيل الحوار والتواصل. والبعض من الساحات الأخرى أصبح محجوزاً عليها من قبل البلديات وقرار التجمع منها أصبح اختصاصات المجلس البلدي في رسم السياسة ولدعم الجهة التي ينتمي إليها، ففي بلدة كفرشوبا أنشئ مكان الساحة مستوصف وتم توسعة المدرسة.
وكان لقاؤنا مع الدكتور فارس يوسف ابن قرية الماري فكان جوابه عن أهمية الساحة تاريخياً وبمفهوم التراث.
كانت الساحة في الماري يجتمع فيها عامة الناس بالإضافة إلى المشايخ الأجلاء والخوارنة لمعالجة المشاكل التي كانت تحدث داخل البلدة أو خارجها، من تعديات على الأرض وغيرها وكذلك كانت الساحة مركزاً للتباحث في مسألة اختيار ناطور الضيعة وراعي البقر وللبحث أيضاً في قضايا ومتطلبات الأهالي حيث كانوا يجتمعون فيها لتكليف من يرونه مناسباً للقيام بالمهمة. فكان من الساحة يصدر القرار.
أما الدكتور قاسم القادري رئيس بلدية كفرشوبا الذي قصدناه في مكتبه بمركز البلدية أجاب: للساحة في بلدتنا تاريخ وتاريخها لا ينفصل عن تاريخ أهلنا. ففي الساحة كانت تقام كافة الاحتفالات والاستقبالات وفي الساحة كانت تقام الشعائر الدينية. ومن الساحة كان وجهاء البلدة يقومون بجولات على البيوت التي فقدت عزيزاً. وفي الساحة كانت تتم استقبالات الوفود المشاركة في الأتراح. وإلى الساحة كانت تأتي الباعة من الخيام والبقاع والنبطية للبيع والمقايضة في المواد، وكل قرية وبلدة حيث تعتبر المواسم عند الفلاحين جزءاً من حياتهم في القرية وخلال كل موسم كانوا يستعدون لتأمين حاجات، مثل موسم دراسة الغلال وموسم السَّلْق وكان يباع العدس والحمص والبرغل أو يتم التبادل بهذه المواد في الساحة. وفي موسم قطاف الزيتون كان يأتي إلى الساحة تجار العنب وتجار باعة الصابون للتبادل بالزيتون والزيت في ساحة الضيعة. المساحة التي تغطيها تزيد عن 500 م فكانت ملتقى للأهالي كباراً وصغاراً وفي مناسبات الأعياد كانت محطة التلاقي للأولاد لنصب المراجيح وإقامة الدبكة وفي المناسبات الدينية الحضرة ورفع السناجق عند الوفاة وهذه العادة الأخيرة محصورة بالعائلة القادرية. ويضيف القادري في الساحة كانت تقام حلقات الدبكة والأعراس ولعبة السيف والترس.
أما رئيس بلدية كفرحمام السيد علي فارس فقال: لم تعد الساحة امتدادا لتراث الأجداد. وكانت المقصد في كل المواسم والمناسبات. والشيء الوحيد الذي ما زال أهلنا يحافظون عليه مشاركاتهم في مناسبات الوفاة حيث لا زالوا حتى يومنا هذا يعتبرونها (واجبة). اما ما عدا ذلك فالساحة خالية لا تستقبل إلا الشيخ والمصلين نهار الجمعة. والأولاد يقصدونها للعب.
وعن أهمية الساحة في مرحلة ما بعد التحرير أجاب الزميل إمام حمدان: الساحة اليوم هي خزان ذكريات لم تعد كما في الماضي لكن لا زالت بعض من العادات التي كانت سائدة وكذلك لا زالت الساحة معتمدة في إقامة الاحتفالات والأعراس ولا زالت مشاركة أبناء بلدة شبعا في المأتم والأفراح وكذلك لا زالت الساحة منبراً للخطباء. ولم تعد الساحة للبحث والحوار كما كانت تاريخياً بل مقصداً لسهرات الشباب في المساء.
أما الأستاذ أحمد منصور ابن بلدة الهبارية فقال: تاريخياً مجمل الاحتفالات كانت تتم في الساحة، كانت تحتضن أهالي البلدة في مناسبات الأعياد وعند حضور شخصيات سياسية، حيث كانوا يتوقفون عن العمل تماماً في البلدات المجاورة شبعا، كفرشوبا، كفرحمام، الفرديس وعين جرفا.
ويضيف: في مناسبة الأعياد كانت تتم الاحتفالات بإقامة الشعائر الدينية في المسجد وبعد الصلاة يذهبون إلى المقبرة لقراءة الفاتحة والترحّم على أرواح الأموات وتقديم التعازي، وبعدها كانت تتشكل الأهالي مجموعات للمرور على غير الميسورين أو الذي فقدوا عزيزاً وكل ذلك يتم باكراً. ويضيف منصور وفي الساحة أيضاً كان يجتمع الأهالي للاتفاق على مختار البلدة أو الناطور كما أنهم كانوا يجتمعون في الحالات التي تتعرض فيها البلدة لمشاكل أمنية، أو على أثر خلاف عائلي.
  

السابق
المخطوفون لدى آل المقداد يعترفون بلقاء خالد الضاهر وبتشكيل مجموعات مسلحة في برج البراجنة
التالي
“اليونيفيل” اوقفت تنقلاتها الى بيـروت وقصرتها على مساحة انتشارها بمعية الجيـش