جمعياتٌ اجتماعيَّة.. لم تعد اجتماعية؟

متعارف عليه أن للجمعيات الإجتماعية دورا ريادية في تعزيز حركة المشاريع التنموية الخيرية والإجتماعية التي تساعد على تأمين فرص عمل وحياة أفضل للأسر الفقيرة، هذه السمة تبدلت معايرها مع توسع رقعة الجمعيات في مدينة النبطية (جنوب لبنان ) التي فاقت الـ 60 جمعية، فالجمعيات الإجتماعية لم تعد إجتماعية، لإعتبارات في "نفس يعقوب".

في النبطية حدِّث ولا حرج عنها، الحقيقة مرة…الصورة مشبوهة…جمعيات محزبة مسيسة…لها غطاء محكم…والانكى من ذلك أنها شخصانية وفي بعضها وهمية لها اسم بلا فعل ، "تشحذ" ملايين الدولارات على حساب المواطن ولكن من المسؤول؟ واين الرقابة على الجميعات التي غيرت مسارها الى تجارة حرة؟ اي دور تلعبه الاحزاب الفاعلة في النبطية على اعتبارها تملك جمعيات "ما فتح ورزق" وتنفذ خدمات لاكثر من 80 الف مواطن محسوب عليها؟ وهل تحقق هذه الجمعيات غاياتها وأهدافها ؟ أم أن هناك عوائق وصعوبات تعرقل عملها وتطورها؟

عناوين رنّانة‏
وإذا ما أتيح لنا معرفة الهوية التي تحملها كل واحدة منها فهل بالإمكان التأكد عما كانت تسلك طريقا صائبا في ما يتعلق بتنفيذ مشاريعها؟ أم أنها تعيش حالة ثمالة في ما يتعلق بهذه المشاريع؟
عناوين رنانة لطالما تغنت بها الجمعيات إبتداء من التخفيف من عبء البطالة إلى تنفيذ المشاريع الخدماتية مرورا بمكافحة الفقر وليس إنتهاء بإعالة المسنين والمسنات والإرتقاء بالحالة الثقافية للمواطن.
هذه بعض من الشعارات التي يحملها الميثاق الداخلي للجميعة ويرفعها رئيسها في المحافل الدولية والأهلية والحكومية لإستقطاب التمويل لتنفيذ مشروع ما، والواقع يفيد أن 90 % من الجمعيات يعتمد هذا النهج يقابله، فيما نسبته الـ10% تقوم بعمل كبير وفاعل، نسبة خطيرة تستدعي التوقف عندها لقراءة تبعاتها على المجتمع.

حال إمتعاض كبيرة تستفحل داخل "تركيبة" الجمعيات الإجتماعية، ناجمة عن "أمية الأفكار" لدى أغلبية رؤساءها، حيث من الملاحظ أن بعضها يسرق المشاريع من جميعات أكثر فعالية، تحت أجنحة "سياسية – حزبية"، ما دفع بأحد رؤساء الجميعات(رفض ذكر إسمه) إلى نعت أغلب الجميعات ب "الدكاكين التجارية"، التي وجدت أصلا لهذه الغاية.

ففي الظاهر تحمل هذه الجميعات إسم جمعيات وفي الباطن تحمل مشروعاً وهمياً، تحصل بموجبه على تمويل كبير، ما يعيق حركة توسع نشاط الجمعيات الفاعلة، وهنا يسأل الرئيس: "أين الرقابة ومن المسؤول وتحت أي عباءة تحتمي هذه الجمعيات؟".
لقد بتنا اليوم أمام "مرتزقة الجميعات السياسية والحزبية التي تسرق "الجبنة" كما يقول "علي" ناشط في أحد الجميعات، واقع يطرح الكثير من علامات الإستفهام والتعجب حول عدم رفع الغطاء عنها؟ وعن سبب غياب رقابة الدولة عليها؟.
الأسئلة لا تنتهي هنا….
فمثلاً هل الأحزاب تسمح لنفسها أن تتحول إلى مرتزقة "المال" أم أنها ستنقلب على هذه المعادلة، وتفرض معاهدة جديدة؟ للأسف الصورة الحقيقية تؤكد الرضى عن عمل الجميعات التي إنحرفت عن مسارها الأساسي.

 

أكثر ربحيّة وأقل إنتاجية
أكثر ما يثير الامتعاض من واقع الجميعات في النبطية أنها أكثر قولا وأقل فعلا…أكثر ربحاً وتسوُّلاً للأموال وأقل إنتاجية…وربما معه تحتاج الى "صحوة اجتماعية-ثقافية" في ظل خريف جمعيات عمرها عشرات السنوات، غرقت في "الوجاهة" والتمسك "بالكرسي".
لا ضير إن لمسنا حال ملل وتململ من غياب الإستراتيجية الواقعية لعمل المجتمع الأهلي، الذي أفرج عن واقع سيئ جدا وأخرج عمل الجميعات عن قطارها الصحيح. "نشر الوعي والقيام بمشاريع تحقق تغير جذري في المجتمع" ما حذا بالبعض الى القول الجمعيات "داهية" تعرف كيف "تخرق" زواريب الحياة المجتمعية، وتلعب على الحلقة الأضعف أي المواطن لخدمة أهدافها. وفي الغالب هي جمعيات مسيسة تتبع نظاماً سياسياً حزبياً واضحاً للعيان وهذا له حتما إنعكاساته السلبية على خدمات المواطن وهناك مواطنون غير محزبين أين يذهبون ما ذنبهم؟

هذا الحال يدفعنا لقراءة "الضمير" الداخلي للجمعيات التي يصحو على أبواب شهر رمضان عبر حصص تموينية يصل مؤشرها الى أكثر من نصف مليون دولار، الرقم يحفز على التساءل: أليس من الأفضل تنفيذ مشروع دائم للمواطن يوفر عليه معاناته الإقتصادية؟ أليس هذا من الدور يجب أن تضطلع به الجمعيات على إعتبار أنها تملك نفوذا وإمكانيات "وسلاح ذو حدين"…؟

لم تسجل النبطية أي إرتقاء بواقع جميعات، دائما هناك النقيض وضده، منحى خطير تسلكه الجميعات التي يغيب عنها "مؤشرها الخدماتي وسياستها العامة الناظمة لمشاريعها"، فيما يحضر "الوهم". ولكن ما سر هذا الخمول؟ السؤال حتمي وما خلفه يتكشف عن فساد كبير يحضر بقوة نشاطتها، ولكن الذي يرفع من حصرية السيطرة وجود جميعات خارج السيطرة "الأممية" تمكنت من رفع الحصار عن الخدمات وتقوم بواجبها "فتح مشاريع إقتصادية لعدد من المواطنين من صيانة كمبيوتر وميكانيك وحلاقة نسائية وغيرها التي نفذتها "شيلد"، الى جانب شبكة مجموعات شبابية التي تقوم بتنفيذ مشاريع ثقافية تخرق الصمت وتدفع المواطن ليتكلم، كما تقوم جمعية نقطة فاصلة بعمل دؤب يرتكز على تحفيز الشباب على خرق عالم الجميعات لقض مضاجع الفساد ضمن الإمكانيات" ولكن ماذا بعد!!.
حال فساد مستشر تعيشه الجميعات ليس في النبطية فحسب بل في كل لبنان، يقول مسؤول في إحدى الجمعيات"هناك عملية نصب كبيرة تتم داخلها إذ أن المشروع الذي يُكلف 50 ألف دولار يقدم للجهة المانحة بأنه يكلف 100 ألف دولار وحين يبدأ التنفيذ يستخدم 10 ألاف دولار والباقي يتسرب من الجيوب". وهذا ما يدفع للسؤال لما لا يرفع الغطاء عنها؟ وسحب " "كارت blanche" منها، وهل أصيبت بسرطان الطائفية السياسية؟ وأين دور وزراة الشؤون الإجتماعية التي تملك عقد شراكة مع عدد من الجميعات بإشراف مباشر منها؟

مصدر في وزارة الشؤون الإجتماعية أكد "وجود عقد شراكة مع عدد من الجميعات في إطار التعليم "دور حضانه"، "التعليم المهني"، "دور مسنين" وطبابة ولكنه يؤكد "وجود العشرات منها خارج إطار الشراكة مع الوزارة ما يعني أن هناك 90% من الجميعات مشلولة، لأنها بإختصار "وهمية"، وفي شهر رمضان تنهمك في توزيع حصص تموينية لا تصل الى الفئات المستهدفة كلها، بل تصل الى المحسوبين وهذا بلاء خطير". ويؤكد المصدر أن "الرقابة شبه غائبة وهذا ما يفسح المجال لإستشراء الطمع المالي، ودفع الكثير من رؤساء الجميعات للتنحي عن وظائفهم للإهتمام بالجمعيات لأنها أكثر ربحية.

باختصار تحولت الجميعات الى لعبة سياسة ممزقة هدفها التسوّل من الخارج لمنفعة القيمين عليها". وما يطبق لا يكاد يذكر، يبقى الرهان على حنكة الجميعات ألأكثر فعالية وإعادة لبنة العمل المجتمعي الى مساره الذي تشظى من "هشاشة" البعض الذي يرى فيها أنها "نبع مال هادر ببلاش"… ولكن ألا يمكن للأقطاب الداخلية أن تغير للأفضل وترفع الغطاء عن الفساد القائم؟ سؤال عسى أن تحركه أيادي الغيارى. 

السابق
45 ألف قارورة عطر مزيفة بفرنسا
التالي
اللاجنسيون …من هم وكيف تختلف حياتهم ؟