أسر حلم الأسير

نقطة جديدة تُسجَّل لصالح المقاومة في حربها الضروس مع محور الشرّ الذي تتوضّح يوماً بعد يوم معالِمه وأهدافه وأدواته المنفذة لمخططاته لتتعرّى أمام شعوبها.
فبعد الانتصارات الجمّة وبالجملة التي كان وعد بها وحققها سيّد المقاومة، ها هو اليوم ينفذ وعدَه بألا اقتتال طائفياً في لبنان عموماً وفي الجنوب خصوصاً، بعد أن أسرت المقاومة ورقة قطر في صيدا، بالتعاون مع أبناء المدينة الرافضين لأيّ مساس بسلاح المقاومة، والذي يعتبره الصيداويون قوتهم اليومي وعزهم الذي تربّوا عليه، ومجدهم الذي من خلاله استطاعوا تحرير عاصمة الجنوب عام 1985 من رجس الاحتلال، وبالتأكيد لن يسمحوا لأيّ كان بأن يمسّ هذا السلاح الشريف.

صحيح أن الهدف الأساسي الذي أعلنه الأسير هو نزع سلاح حزب الله، وأنه أقسم بـ»كسر الهاء» أنه لن يفتح طريق صيدا وسوف يتخذ خطوات تصعيدية حتى تُنفذ كامل شروطه.. وإلا!!
لكن ما جرى كان خلاف ذلك كليّاً، فهو لم يستطع حتى أن يثبت خطوة واحدة في سبيل الصمود علّه يتمكن من تحقيق بعض من أوهامه، فلا طريق الجنوب أقفلت أمام الجنوبيّين، ولا خطوات تصعيدية تمّ اتخاذها، ولا حصل ايّ إشكال مذهبي، بل على العكس من ذلك، فقد انقلب السحر على الساحر، وفوجئ الأسير بصرخة صيداوية في وجه تحركاته الاستفزازية للمقاومة، ومطالبة فاعليات المدينة السياسية والاقتصادية والتجارية للحكومة بإزالة الاعتصام وفتح الطريق لتجنيبهم كارثة اقتصادية، ليتحول «حصار الأسير» من حصار «لأهل الجنوب» الى «حصار للصيداويين أنفسهم»، كما أن أي خطوة تصعيدية وأي تحرك كان ينوي الأسير القيام به كان سيواجه من قبل الجيش اللبناني والذي كانت لديه تعليمات صارمة بألا يسمح لمثل هذا الأمر أن يحدث، حتى لا نقع في شرك أحداث مفتعلة لا تحمد عقباها، ولا يتحمّلها لبنان النائي بنفسه عن أحداث المنطقة.

أما النقطة الأهم التي لم يدركها الأسير فهي أن تجربة الاعتصام المفتوح لن تجدي نفعاً مهما طال به الزمن، فتجربة قوى 8 أذار في اعتصامهم في وسط بيروت، والذي امتد الى ما يقارب السنة ونصف السنة لم تؤت ثمارها مع كلّ محاولاتهم الفاشلة في سبيل إحياء الاعتصام عبر الندوات والاحتفالات لاستقطاب أكبر عدد من المعتصمين، فكيف برجل مثل الأسير يريد أن يستمرّ في اعتصام بنحو عشرين شخصاً لا أكثر؟

بعد كلِّ هذه المعطيات التي اصطدم بها الأسير وبعد فشله في جرِّ المقاومة الى اقتتال مذهبي، وبعدما أدرك أنّ الاستمرار في اعتصام أصبح يُشكل نقمة شعبية عارمة في وجهه وفي وجه من يدعمه، وأصبحت بالتالي تأكل من رصيدهم الانتخابي، أتى إيعاز قطري ـ سعودي إلى تيار المستقبل وإلى الجماعة الإسلامية بضرورة إيجاد مخرج وإنهاء الاعتصام.
وحسناً فعل تيار المستقبل حين كشف نفسه وانقلب على أهل المدينة ونكث بوعوده والتزاماته أمام الملأ، وغدَر بكلّ الفاعليات والقوى والأحزاب التي كان اتفق معها على تنفيذ إضراب عام يوم الإثنين الماضي ضدّ اعتصام الأسير، ولكن يبدو أنّ هناك أحداً ما في الخارج تنبه إلى ما فات جهابذة تيار المستقبل، فنبّههم إلى أنّ الإضراب يعني أنهم ضدّ الشعارات التي يرفعها الأسير ضدّ المقاومة وسلاحها، ويظهر صيدا على حقيقتها الفعلية كمدينة مقاومة في الماضي والحاضر.

وعليه، انكشفت لعبة «المستقبل»، واضطر إلى الإعلان عن اللقاءات السرية التي حصلت بين «الأحمدين» الأسير والحريري، وأجهض الإضراب، وهو يسعى الآن إلى الاستثمار الانتخابي عبر الإيحاء بأنه استطاع فك الاعتصام.
وهنا أيضاً فات جهابذة تيار المستقبل أنهم لن ينجحوا في محاولة تزييف الحقائق والتسويق بأنّ الأسير فكَّ اعتصامه بعد تنفيذ مطالبه، لأنّ هذا محض كذب وافتراء على عقول اللبنانيين، فماذا حقق من مطالبه؟ جلَّ ما طلبه نقاط ثلاث لا تمت إلى أهداف اعتصامه المعلنة بأي صلة، وأولها: الطلب من الأجهزة الأمنية الحماية الشخصية… وثانيها: وضع إطار أمني على مسجد بلال بن رباح… وثالثها: منع التوقيفات عن الإسلاميين من دون أي مسوِّغ قانوني.

هذه المطالب الثلاثة بإمكان أيّ مواطن لبناني الاستحصال عليها من دولته التي هي حق له في شتى الأحوال، لأنه لا يحق للقضاء توقيف أيّ شخص أكان إسلامياً أم غير إسلامي من دون أي مسوِّغ قانوني؟
أما السؤال الأبرز، الذي فرض نفسه من خلال طريقة تعاطي الدولة مع اعتصام الأسير، فهو يتعلق بكيفية تعامل الدولة اللبنانية مع أية حالة مشابهة لحالة الأسير مستقبلاً؟  

السابق
اتفاق واشنطن_موسكو يوقف حرب سوريا؟
التالي
كلمة سر