حكومة وقطاع عام..وجهان لعملة واحدة!

وكأن السباق مع التصعيد السوري بات محتدماً، دخل القطاع العام اللبناني في كباش مع الحكومة بشكل يُنذر بتحوّله إلى اشتباك في حال لم تُقرّ هذه الأخيرة سلسلة الرتب والرواتب بما يُرضي الموظفين والمعلّمين على حدٍّ سواء.
كانت بدايته أمس الأول في مسيرة تُهدِّد بإسقاط الحكومة في غضون عشرة أيام، والإضراب العام، وبالتالي شلّ سائر القطاعات العامة، ومعها مصالح المواطنين، الذين يناضلون للإستمرار بالحدود المعيشية الدنيا في ظل الأزمة الإقليمية المتفاقمة.
وفي تحليل بسيط للواقع، يجد اللبناني أن الحلقة المُفرغة التي يدور فيها الصراع بين القطاع العام والحكومة، تُحتِّم على الجميع الإحتكام للتفاوض، وصولاً إلى اتفاق على خطة إنقاذية إقتصادية تتمّ بتعاون جميع القطاعات والأفرقاء، تجنيباً للبلاد والعباد تدهوراً أسرع للإستقرار الإجتماعي والإقتصادي وبالتالي الأمني.

فالعجز الذي تعاني منه الدولة، لأسباب محليّة وإقليمية، مرتبط بالأزمة الإقتصادية العالمية حيناً، وبارتهان البعض للخارج والتزامهم إحداث خضّات داخلية أحياناً مما يحول دون الإلتزام بالمزيد من الأعباء المالية، خاصة في غياب الموارد الإضافية، مما يعني إقرار السلسلة تحميل الخزينة ديون جديدة، تضفي على التضخّم الحاصل تضخّماً جديداً.

لا شك أنه ليس من العدل تجميد أجور القطاع العام على الشكل الحاصل، خاصة كون الدولة عاجزة عن السيطرة على ارتفاع الأسعار الحاصل جنونياً وعشوائياً، إلا أن إقرارها تحت الضغط سوف يؤدي إلى نتائج مشابهة لتدهور الليرة اللبنانية الذي حصل في عهد حكومة الرئيس عمر كرامي عقب انتهاء الحرب اللبنانية، حيث أقرّت زيادة الأجور 125٪ دون تأمين المؤونة لها، مما أدّى إلى تدهور العملة المحلية نتيجة التضخّم المضاعف.

أما على الصعيد التربوي والإجتماعي، فإن توقف تصحيح الإمتحانات الرسمية هو قمة الإمعان في تفشيل الدولة وإفقادها مصداقيتها تجاه شبابها بالدرجة الأولى وتجاه الجامعات العالمية بالدرجة الثانية. فمادة التربية المدنية التي يتشدّد الأساتذة في تعليمها وتصحيحها، وتحتل حيّزاً مهمّاً إلى جانب تاريخ الوطن المعذَّب في المنهج اللبناني، تناقض تماماً الممارسات الحاصلة، وتطرح علامات استفهام كبيرة حول جدواها، بل جدوى الشهادة الرسمية برمّتها إذا كانت تستنزف مجهود الطالب والأستاذ حتى تُستبدل بإفادات، تُعيد فوضى الحرب الى أذهان من عاشها وحمل إفاداتها، وصُدم عندما رمتها الجامعات العريقة في سلّة المهملات وأجبرت الطالب اللبناني على تعويضها سنة أو أكثر قبل أن يبدأ بتحصيل شهادته الجامعية بشكل طبيعي.

الأزمة خانقة ومُطبِقة على رقاب الجميع دون استثناء، ولكنها لم ولن تُعالَج في الشارع والتعطيل، وضرب مصالح المواطن عرض الحائط من جهة، ولا بتسويف الدولة وتجاهلها لمطالب محقّة من جهة أخرى، فالخاسر الأكبر هو الوطن ومواطنيه الذين يدفعون أثمان تعنّت المسؤولين وغضب أصحاب الحقوق، ودخولهم حلقة تواصل مفرغة باهظاً.

فاللبناني يسدّد فواتير الكهرباء الجنونية دون الحصول على الخدمة كما يجب وهو عاجز عن محاسبة أطراف الصراع الحاصل، والأمر يُنذر بانسحابه على سائر القطاعات مما يُعيد عقارب الساعة سنين إلى الخلف، بل إلى التخلّف والفوضى وشريعة الغاب في دولة عجزت عن مدّ جسور الحوار مع شعبها وإدارة الأزمات بجدّية وفعالية وصولاً لإعادة الإنتاجية، أما الناس فبدأت تكفر بالوطن ومقوماته وحتى من جدوى الصمود فيه!  

السابق
حزب الله يريد احتلال إسرائيل
التالي
اليوم افتتاح أولمبياد لندن.. والعلم اللبناني يرفرف بالقرية الأولمبية