الراي: حلفاء دمشق يحتجّون على احتجاج الرئيس اللبناني

بدت بيروت «اسيرة» مجموعة من «الحروب الصغيرة» الدائرة على وهج «الحرب المتعاظمة» في سورية. فمن «الحرب» التي شنّها حلفاء سورية على رئيس الجمهورية ميشال سليمان لطلبه من وزير الخارجية عدنان منصور تسطير كتاب احتجاج لسورية عبر سفيرها في بيروت علي عبدالكريم علي لخروق جيشها السيادة اللبنانية في البقاع والشمال، الى «الحرب المكتومة» داخل الحكومة وبين مكوّناتها، و«الحرب» عليها بسبب الازمات المفتوحة في السياسة والامن والاقتصاد والمعيشة… تلفح لبنان موجة عارمة من «الهذيان» الذي يؤشر الى «فائض» في انعدام الوزن في لحظة التحولات العاصفة في المنطقة.

وعاشت بيروت امس، على وقع ملامح الأزمة التي أحدثها طلب رئيس الجمهورية من وزير الخارجية اعداد كتاب احتجاج واستدعاء السفير السوري لتسليمه اياه. ورغم ان منصور تولّى وبتأخير نحو 36 ساعة توجيه الكتاب، الا ان خطوته جاءت «ناقصة»، اذ لم يستدع السفير السوري ولم يوجّه اليه كتاباً بلهجة احتجاج، بل مذكرة تطلب من السلطات السورية «تجنب تكرار الحوادث الحدودية»، وذلك بعدما كان اعتبر أن «المذكرة لن تتضمن احتجاجاً بل لفت نظر الى بعض الخروق التي لم تحصل في شكل متعمّد بل هي نتيجة اشتباكات على الحدود السورية – اللبنانية وبفعل العمليات العسكرية»، مشيراً الى «وجود احتجاجات من الجانب السوري سيتسلّمها الجانب اللبناني»، ومبرراً الخروق السورية بخروق مماثلة تحصل من الجانب اللبناني، مستشهداً بأن خمسة لبنانيين قتلوا داخل الأراضي السورية من دون أن تحتجّ الخارجية السورية «ومثلما لنا ملاحظات كذلك للجانب السوري ملاحظات».

وفي حين حاول وزير الخارجية التخفيف من وطأة «تحديه» رئيس الجمهورية عبر اعلان انه «لم يلتف» على طلب سليمان، مشدداً على أن هذا الطلب «محترم بالدرجة الأولى»، فقد عكس اصطفاف قوى «8 آذار» خلف منصور اضافة الى الاستياء السوري من موقف رئيس الجمهورية، وجود ازمة فعلية بين الاخير وغالبية مكونات الاكثرية كما دمشق التي خاطبها من خارج «أدبيات التنسيق» وامانة المجلس الاعلى اللبناني – السوري، في مقابل ثناء قوى «14 آذار» على أداء رأس الدولة في لبنان معتبرة ان ما قام به «هو الحدّ الادنى» المطلوب، ملوّحة بطرح الثقة بوزير الخارجية، داعية «الى طرد السفير السوري لتجاوزه الاصول الديبلوماسية في مخاطبته الرئيس اللبناني».

وفي هذا الاطار، عبّرت اوساط «8 آذار» ومواقف لبعض اطرافها عن سخطها من موقف سليمان الذي اعتبرته «غير متوازن، اذ إنه لم يأخذ بالاعتبار ان اطلاقا للنار يجري من الاراضي اللبنانية في اتجاه الاراضي السورية، وان تهريباً يتم للسلاح والمسلحين عبر الحدود من لبنان الى سورية»، في حين هاجمت قناة «الاخبارية السورية» الرئيس اللبناني بلسان احد الذين ظهروا على شاشتها والذي تساءل «اين كان رئيس الجمهورية اللبنانية ازاء الخروق الاسرائيلية»، من دون ان يوفّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

وفي حين نُقل عن الرئيس سليمان قوله امام زواره رداً على الحملة التي شنت عليه ان ليس من واجبه أن يتشاور مع أحد في مسألة تخص السيادة الوطنية، موضحاً «أن ما قام به جاء انطلاقاً من واجبه الدستوري، طالما انا ملتزم بالقسم للمحافظة على سيادة لبنان ووحدته واستقلاله، والمحافظة على وحدة الدولة وسيادتها»، بدأت قوى «14 آذار» تعدّ العدة لمساءلة وزير الخارجية برلمانياً اذ كشف النائب نهاد المشنوق (من تكتل سعد الحريري) انه سيطلب من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الدعوة الى جلسة قريبة، لانه لا بد للجنة ان تناقش الموضوع. وقال: «كان الاجدى للسلطات اللبنانية ان تطلب طرد السفير السوري من لبنان، لانه سبق له ان ادلى بمواقف مماثلة عدة، وتجرأ وتصرّف على خلاف طبيعة دوره ومهمته في لبنان، ويساعده في ذلك وزير الخارجية اللبناني، وتفهم الاخير للجرائم السورية اكبر من تمثيله للبنان وللحرية فيه».

كما رأى النائب احمد فتفت (من كتل الحريري) «ان تقصير وزير الخارجية هو رد على سليمان وهذا ليس مقبولا»، وقال: «خطير جداً ان وزير خارجية لبنان لا يتوافق مع رئيس الجمهورية وهذه سابقة خطيرة في سياسة لبنان»، داعياً الى «ابعاد السفير السوري واستقالة وزير الخارجية الذي وسنطرح الثقة به في أقرب وقت اذا سُمح لنا بعقد جلسة».
وخيّمت هذه الاجواء المأزومة على جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت قبل ظهر امس، برئاسة ميقاتي و«حاصرتها» تظاهرة كبيرة نظّمها موظفو القطاع العام (المُضرب) بدعوة من لجنة التنسيق النقابية للمطالبة باقرار سلسلة الرتب والرواتب، كما على الافطار الرئاسي الذي أقامه الرئيس سليمان مساء الاربعاء رغم انه جمع كل الاطراف في مشهد بدا «تعويضيا» عن جلسة الحوار الوطني التي أرجئت من 25 الجاري الى 16 اغسطس المقبل.

وكان لافتاً ان رئيس الحكومة «الممتعض» مما آلت اليه الاوضاع والذي نُقل عنه انه يشعر بانه صار «متروكا» ليدافع لوحده عن حكومته التي «تمزّقها» الخلافات بين مكوناتها ولا سيما في ملف مياومي الكهرباء، «فجّر غضبه» معلناً «كفى» في جلسة مجلس الوزراء، وسط انطباع تكوّن لديه بان حكومته باتت «بين ناريْ» الموالاة والمعارضة تتلقى الضربات من الجانبين.
واشار ميقاتي في مستهل الجلسة الوزارية تعليقاً على تحرك موظفي القطاع العام والاساتذة الى «اننا نحن من طرحنا سلسلة الرتب والرواتب لتصحيح الاختلاف مع سائر القطاعات، وفوجئنا بالعودة الى التصعيد، رغم ان الاساتذة اخذوا 80 في المئة من السلسلة، ولا يمكن رهن مصير الطلاب على النحو الحاصل، فالاضراب حق وفق ما يسمح به القانون، لكن ان تصبح المسألة لي ذراع الدولة وكسر هيبتها ورهن مصير 100 الف طالب، فهذا امر مرفوض ولا يمكن القبول بتهديد الاستقرار وارهاق الخزينة بأعباء اضافية وادخال البلد في المجهول»، وأضاف «ان واجبنا الاستماع الى كل الاطراف المعنية، لا سيما من اعترض على اي زيادة، لقد كنا ايجابيين الى اقصى الحدود لكن البعض يفسر الايجابية بالضعف».  

السابق
حدود الحرب سلاحين: لافروف والدبابة
التالي
البناء: سليمان: ليتحمّل الأفرقاء مسؤولية عدم المشاركة في الحوار