الحرب بدأت سورياً ولبنانياً… وعربياً؟

يعرف متابعو الاوضاع اللبنانية بتشعباتها الاقليمية ان "حزب الله" القائد الفعلي للطائفة الشيعية لا يريد حرباً مع السنّة في بلاده، وانه يسعى الى تلافيها. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه انه لا يمانع في حرب سنّية – سنّية تكون بديلاً من الحرب المذهبية بين المسلمين، ويمكن ان تحقق اهدافها. ذلك انه جزء من فريق اقليمي مهم يواجه ما يعتبره هجمة شرسة عليه من الغرب وزعيمته اميركا كما من غالبية العرب. كما ان سنّة لبنان صاروا في معظمهم جزءاً من الفريق الآخر في المواجهة نفسها. طبعاً نجح "الحزب" في تلافي الحرب المذهبية المباشرة حتى الآن. لكنه اخفق في اطلاق الحرب البديلة التي تجعل التلافي المذكور نهائياً. والأسباب كثيرة قد يكون ابرزها ان "سنّته" غير شعبيين، وتالياً غير قادرين على خوض معركة "داخلية"، طبعاً باستثناء الرئيس عمر كرامي وجزئياً السياسي الصيداوي اسامة سعد. علماً ان الاول اثبت ومن زمان انه ثابت في حلفه الداخلي والاقليمي المناقض لتوجّه غالبية طائفته، لكنه اثبت ايضاً رفضه الدخول في معركة معها وخصوصاً عند شعوره بأنها قد تكون مستهدفة.

ويعرف متابعو الأوضاع اللبنانية انفسهم ثانياً ان "تيار المستقبل" زعيم الغالبية السنّية، وقبل ان يصبح الاسلاميون من سلفيين و"اخوانيين" شركاء له، لم يُرِد بدوره حرباً مع الشيعة. اولاً لأن أضرارها ستشمل المسلمين كلهم ولبنان. وثانياً لأن "الحزب" القائد للشيعة منذ سنوات طويلة عسكرهم، في حين بقي السنّة بعيدين من السلاح اجمالاً. لكنهم يعرفون ايضاً ان التيار المذكور حاول دائماً شق الطائفة الشيعية التي وحّدها الاحتلال والمقاومة فالتحالف مع سوريا الاسد وايران الاسلامية واخيراً التحرير، وذلك بهدف اضعاف "الحزب" وتالياً إقامة تعاون سياسي بين السنّة والشيعة ومسيحيين. وفي هذا الاطار يمكن وضع اغراءات عدة قدمت الى رئيس حركة "امل" ومجلس النواب نبيه بري الذي يظن السنّة ان حلفه مع "حزب الله" كان على حسابه وعلى حساب حركته. لكن المحاولتين المذكورتين اخفقتا، أولاً لأن بري ليس "ابن مبارح" ويعرف عواقب "الانشقاق". وثانياً، لأن الآخرين الراغبين في اعلان مواقفهم المعترضة داخل الطائفة لم يمتلكوا يوماً بغالبيتهم القدرة على ذلك وربما الجرأة.
ويعرف متابعو الأوضاع اللبنانية اياهم ثالثاً ان الاحتجاج المباشر حكومياً وسياسياً وشعبياً الذي قام به "التيار الوطني الحر" على الرئيس بري وحتى على حليفه الاستراتيجي "حزب الله" لأنه لم يماشه في احتجاجه، قد يكون استُغل سواء من داخل التيار او من خارجه لإحداث فتنة شيعية – شيعية، علماً ان زعيمه العماد عون أكد تحالفه الاستراتيجي مع "الحزب". لكن الذين يعرفونه يقولون انه غير قادر عند ذهابه بعيداً في مواقفه على العودة عنها، وانه كما وصفه الاميركيون لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وعلماً ان استمرار احتجاج عون قد يؤسس لعودة حرب مسيحية – اسلامية. ويعرف متابعو الاوضاع اللبنانية انفسهم رابعاً ان الفريق اللبناني المؤيد لحلف الممانعة الاقليمية لم يمانع يوماً في نشوب نزاع مسيحي – مسيحي في ظل الانقسام الحاد بين "قوات" جعجع و"تيار" عون، وفي ظل الجهوزية الدائمة عند الزعامات المسيحية للاقتتال من اجل الخاص وليس العام.

لماذا هذا الكلام اليوم؟
ليس لدفع الناس الى اليأس والإحباط. فهم وقعوا فيهما من زمان. ولكن للفتهم الى انهم يعيشون حالياً وضعاً بالغ الخطورة يمكن ان ينفتح في اي ساعة وعند اي تطور مفاجىء على فتن وحروب وقلاقل داخلية وخارجية. فإقليمياً يؤكد قريبون جداً من دمشق ان نظام الاسد سيستهدف قريباً الدول التي تغذّي الثورة عليه وتحديداً العربية بل الخليجية منها. ويمكن ان يكون لايران دور في ذلك. وقد اعلن هذا الامر وزير اعلام دمشق من على تلفزيون بلاده بعد ساعات من استهداف كبار قادة الامن في سوريا. اما داخلياً فان كل المعلوات تشير الى استعداد للقتال ربما بشكل يختلف عن قتال 1975 – 1990. فمساندو ثورة سوريا من لبنان على تنوعهم، والمجاهرون بعدائهم لـ"حزب الله" لأسباب معروفة سيحاولون تقوية انفسهم وإعداد انفسهم لاستعادة وضع يظنون انهم فقدوه في لبنان. و"الحزب" لن ينتظر هؤلاء حتى تنبت انيابهم او حتى يقوى عودهم. بل سيواجههم قبل ان يصبحوا تهديداً جدياً له ولمن يمثل. طالما انه لا يزال الاقوى وبفرق شاسع.
طبعاً يسأل البعض هنا إذا كان هذا الكلام تهويلاً؟ والجواب تقدمه فقط التطورات المقبلة.  

السابق
تأجيل الحوار عقدة العُقد !
التالي
حزب الذكريات