من خلية الأزمة الى حزب الله

قال السيد حسن نصر الله أشياء كثيرة في نصرة نظام آل الأسد ضد الثورة السورية منذ انطلاقتها، الا ان موقفين فقط يستحسن التوقف عندهما لأنهما يتعلقان تحديداً بطريقة تقديم "حزب الله" نفسه كحركة مقاومة نموذجية وقابلة للاقتداء.

الموقف الاول كان ذاك الذي عاد فيه نصر الله الى مجزرة ثكنة فتح الله، معتبراً ان سكوته عن بطش حليفه الراعي وقتها هو حجة له لا عليه، متكلفاً بذلك تقديم هذا السكوت المزمن على انه من سبيل التضحية التي ينبغي ان تقوم بها اي مقاومة نموذجية، فلا تفقد بوصلتها الوجهة الاساسية، ولا تعترض على ما يمليه عليها عمقها التحالفي الاستراتيجي وخطوط امداداتها. طبعاً فاتت السيد يومها انه ما كان ليحكي عن شهداء فتح الله لولا تضحيات الشعب السوري الثائر التي اتاحت وحدها اباحة حق الكلام له عن هذه المجزرة بهذا الشكل، وان كان في معرض تركيب الحجج نصرة لنظام دموي ومحتضر في آن، او بالاحرى محتضر بشكل دموي متعاظم.

اما الموقف الثاني فكان ذلك الذي تطوّع فيه حسن نصر الله مساء الاربعاء الماضي، لاستخدام ما بقي لديه من رصيد معنوي بعد كل الاستنزاف المتواصل على هذا الصعيد في السنوات الاخيرة، وذلك في محاولة يائسة لانعاش نظام فقد نخبة من اهم سفاحيه الاوغاد بتفجير يتناغم مع الارادة الثورية للشعب السوري. هنا، لم يعد لسان حال "حزب الله" يقول اننا مع النظام البعثي لاننا نميز التناقض الاساسي عن التناقض الثانوي، بل صار المبرر ان النظام والمقاومة شيء واحد. بمعنى آخر، انتقل الخطاب المقاوماتي من مزعم ان كلفة المقاومة قد تستوجب غض الطرف عن بطش نظام بها او بشعبها او بشعبه هو، الى مزعم ان كلفة المقاومة تستوجب وبشكل عضوي البطش، والمبالغة في البطش: لم يعد السكوت على الطغيان في سوريا مبرراً بمصلحة المقاومة بوجه اسرائيل، بل صارت المقاومة والطغيان هما الشيء عينه، وفي خطاب بالكاد يتستر على طابعه المذهبي الثقيل.

كان من حق السيد حسن نصر الله طبعاً بكاء حلفاء له، لكنه لم يكتف ببكائهم. تطوّع بلعب دور قائمقام خلية الازمة البعثية، معنوياً، الى حين تجهيز خلية ازمة اخرى. ليس قليلا ما فعله مساء الاربعاء. اعطى لبقايا النظام البعثي فعلا بضعة ايام اضافية، لكنه لم يفطن الى ان المعادلة التي اقامها ستطبق عليه مبكراً فتصير: ان كان الشبيحة مقاومين، صار المقاومون شبيحة.

المشكلة اذاك لم تعد في لبنان السلاح وموضعه بل بشكل مركزي اكثر من ذي قبل مفهوم المقاومة. هذا المفهوم لم يستجلبه نصر الله وحزبه طبعاً من التراث، بل من "المقاومات" التي سبقته، وفي الحرب اللبنانية كان الجميع نفسه مقاومة. اساساً الحرب الاهلية تصير حرباً اهلية شاملة ومزمنة عندما يشعر كل فريق ان عليه ان يعيد تشكيل نفسه كحركة مقاومة. "حزب الله" هو بهذا المعنى الابن الشرعي للحرب الاهلية اللبنانية اكثر منه تصديراً للثورة الايرانية، او رداً على الاجتياح الاسرائيلي. هو الآن، يحاول ان يمنح بقايا النظام السوري "الاتيكيت" نفسها بجعلها حركة مقاومة، وصولاً الى تنظيمها على هذا النحو في المرحلة التالية لسقوط النظام البعثي. في اغداق الصفة المقاوماتية على حفنة القتلة الاوغاد الذين ارسلهم الشعب السوري رأساً الى الجحيم، ثمة اشارة كابوسية الى ما يخطط له "حزب الله" و"الحرس الثوري الايراني": تحويل بقايا البعثية الاسدية الى فيلق باسدراني مذهبي جديد. فالحزب لا يمكنه ان يجنح نحو البحث عن الاستقرار لنفسه او لهيمنته بشكل مستقر على مقاليد الامور كما يتوهم عند كل منعطف الكثيرون. الحزب لا يمكنه ان يعيش الا في اكواريوم الحرب الاهلية، اقله على الصعيد الذهني. وهو بهذا المعنى، يطرح نفسه كنموذج يقتدي به الشبيحة في سوريا منذ الآن، خصوصاً بعد سقوط نظام آل الأسد. ايران، بمعنى آخر، تدرك ان النظام انتهى، لكنها تستعجل تحويل بقاياه الى ما يشبه "حزب الله"، و"حزب الله" لا يجد في كل ذلك ما هو افصح من التشبه بكبار الشبيحة، المسؤولين عن الاغتيالات المتسلسلة في لبنان، وعن المجازر المتسلسلة في سوريا، والذين قتلهم، بكل فخر واعتزاز، بطل من ابطال الشعب السوري، بطل من هذا الزمان.
 

السابق
هسام.. هدية الجيس السوري الحر الى الحريري !؟
التالي
قاووق: ما يحصل عدوان خارجي