هل بات احتمال حرب اسرائيلية على لبنان وسوريا جدياً؟

فوجئت الاوساط السياسية العربية والدولية بقدرة النظام السوري على استيعاب الضربة الموجعة التي تلقّاها بتفجير مبنى الأمن القومي في قلب العاصمة السورية، وخسارته لعدد من أركانه البارزين.

وفق قريبين من دمشق انّ مبادرة الرئيس السوري بشار الاسد الى تعيين وزير جديد للدفاع ونائب للقائد العام للقوات المسلحة بعد ساعات على اغتيال الوزير داود راجحة، تؤكد ان المبادرة ما زالت في يد القيادة، وأن عنف الضربة لم يفقدها زمام هذه المبادرة.

ويرى هؤلاء أن القيادة السورية نجحت ثانياً "في ان تربط بينها وبين شعبها وقواتها المسلحة، عبر التأكيد انّ القادة لا يعيشون في بروج عاجية، بل هم يشتركون بأرواحهم ودمائهم مع ابناء شعبهم وجيشهم، وهذا ما يعطي عادة معنويات خاصة للشعب ليصمد وللجيش ليقاتل.

وهذه المعنويات ترد بوضوح على محاولة استغلال انفجار دمشق لتوجيه ضربة معنوية للنظام، فمعنوية أي ضربة يقررها المتلقي أولا وأخيراً، فإذا تلقّاها بذعر فعلت فعلها، واذا تلقاها برباطة جأش تحولت مصدر قوة له، وكما يقول المثل "الضربة التي لا تميتني تزيدني قوة".

ولاحظت هذه الاوساط أن هذه الضربة الامنية الموجعة واجهها النظام وحلفائه بهجمتين مضادتين:

الهجمة الاولى عسكرية، وتمثلت بالإجهاز على اعداد كبيرة من المسلحين الذين تمكنوا من الانتشار في بعض ضواحي دمشق واحيائها، في ما اطلقت عليه المعارضة "معركة تحرير دمشق".

ويقول بعض القادمين من العاصمة السورية ان محاولة نقل المعركة اليها قد أثارت الذعر بين ابنائها الذين لا يريدون ان يتكرر مشهد تدمير حمص في دمشق. بل ان بعضهم يقول: "هذه ليست معركة تحرير دمشق، بمقدار ما هي معركة تدميرها".

ويُذكِّر الدمشقيون الأوائل أن عاصمتهم كانت دائماً هدفاً لأعداء سوريا والعرب منذ حروب الفرنجة حتى الاستعمار الفرنسي، وصولاً الى المشروع الإسرائيلي الذي يعتبر ان دمشق هي العاصمة العربية الوحيدة من دول الطوق التي بقيت عصيّة عليه.

فالقاهرة وعمّان اخترقتهما معاهدات الصلح مع اسرائيل، فيما بيروت وبغداد وقعتا تحت الاحتلال لفترة طالت مع بغداد وقَصُرَت مع بيروت.

ويتذكَّر الدمشقيون هنا أجواء معركة ميسلون التي دارت في مثل هذه الايام (24 تموز 1920)، حيث سقط فيها آنذاك وزير دفاع سوريا يوسف العظمة على يد قوات الاحتلال الفرنسي في موعد تتزامن ذكراه مع مقتل وزير الدفاع العماد داود راجحة في عملية استخباراتية نوعية تتقاطع مصادر عدة على انها صنيعة استخبارات دول كبرى، وليست صنيعة معارضين محليين.

ويتذكر السوريون عموماً في هذا الإطار أيضاً أن القادة العسكريين الثلاثة الذين نال منهم التفجير يعتبرون من القادة الفعليين الذين شاركوا في مواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006، وفي مثل هذه الايام أيضا، فالعماد حسن تركماني كان يومها وزيرا للدفاع، والعماد راجحة كان رئيسا لأركان الجيش السوري، والعماد آصف شوكت كان رئيسا للاستخبارات العسكرية، وقد كان لكلّ منهم دوره في مد المقاومة بكل ما تحتاج اليه، فباتوا بالتالي اهدافاً اسرائيلية مباشرة على غرار الحاج عماد مغنية الذي اغتيل عام 2008 في دمشق، وكذلك ضابط الارتباط بين المقاومة والقيادة السورية العميد محمد سليمان الذي اغتيل على الساحل السوري عام 2009.

اما الهجمة الثانية فهي هجمة سياسية تمثلت بالمعركة التي دارت رحاها في مجلس الامن الدولي، فهزم الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج للمرة الثالثة مشروع قرار غربي يسعى الى وضع سوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فيما انتصر الموقف الروسي ـ الصيني في اليوم التالي بجعل البريطانيين يتبنون اقتراح تمديد مهمة المراقبين الدوليين لمدة شهر بعد ان كانت الادارة الاميركية قد اعلنت بلسان المسؤولين الكبار فيها أن لا حاجة بعد الآن لهؤلاء المراقبين، بل لمهمة الموفد الاممي ـ العربي المشترك كوفي أنان نفسها.

وتقول اوساط متابعة لِما يجري في كواليس مجلس الأمن أن اقتراح أنان تأجيل التصويت على مشروع القرار الغربي ليوم واحد، كان تعبيراً عن رغبة الطرفين المتنازعين في مجلس الامن بأن يأخذا وقتهما في معرفة التداعيات الحقيقية لتفجير مبنى الامن القومي السوري، ففيما كان الاميركيون يعتقدون ويروّجون بأن هذا التفجير سيؤدي الى انهيار النظام، كان الروس والصينيون في المقابل يجرون اتصالاتهم مع دمشق ليطمئنوا الى مدى صلابة الموقف الرسمي فيها.

وبعد أن تأكد الغربيون من أن النظام قادر على استيعاب الضربة، وبعدما تأكد الروس من صلابة موقف القيادة السورية، ذهب الطرفان الى مجلس الأمن ليجري ما جرى فيه…

وحسب المتابعين، لم يخفف من نجاح الروس والصينيين حديث وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون عن إمكانية القيام بعمل ما ضد سوريا خارج مجلس الامن، ذلك أن الغرب لم يترك وسيلة امنية او سياسية او اقتصادية او اعلامية كان يمكنه استخدامها ضد سوريا الا واستخدمها من خارج مجلس الامن. وتبقى الوسيلة الوحيدة المتاحة بعد، هي التدخل العسكري المباشر، والذي يشكك كثيرون بقدرة واشنطن وحلفائها الغربيين على القيام به لأسباب باتت معروفة.

وهنا يبدأ الحديث عن امكانية استخدام إسرائيل لتقوم بما لم تستطع القوى الغربية مجتمعة القيام به، ويبدأ أيضا الحديث الاميركي عن بصمات لـ"حزب الله" في عملية استهداف السيّاح الاسرائيليين في بلغاريا، فيما يكرر الإسرائيليون الحديث عن دور ايراني في هذه العملية ايضاً.

فهل بات احتمال حرب اسرائيلية جديدة على سوريا ولبنان احتمالا جديا؟ أم ان اسرائيل تدرك أن مثل هذا العمل سيكون مغامرة خطيرة قد تؤدي الى انهيار الكيان الاسرائيلي نفسه؟ الاسرائيليون يعرفون اكثر من غيرهم حجم القوى التي ستواجههم في المنطقة، وبالتالي فإنّ ذرة من المنطق تدفعهم الى عدم ركوب هذه المغامرة.

وفي هذا السياق، يتوقف مراقبون عند انسحاب حزب "كاديما" من حكومة بنيامين نتنياهو لتصبح الحكومة المتطرفة أصلاً ممسوكة بيد الاسرائيليين الأكثر تطرفاً من المتطرفين، وليصبح وزير الخارجية أفيغدور ليبرمن المعروف بعنصريته، هو الرئيس الفعلي للحكومة، وهو الذي هدد يوماً بتدمير السد العالي في مصر، وبقصف الكعبة المشرفة في مكة.  

السابق
مقاومة على مين؟
التالي
هيفاء: أنا من روّجت موضة “التغريد”!