سوريا والخطأ الليبي

أسقطت الانتخابات الليبية آخر حجة روسية في سوريا. وأصبح موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلا سند او معنى. لم يعد بإمكانه القول: انظروا ماذا فعل حلف الاطلسي في ليبيا. ان روسيا لن تسمح بأن يتم خداعها مرة اخرى.
حتى الكرملين اضطر الى الاعتراف بأن الانتخابات في ليبيا كانت حرة ونزيهة الى حد بعيد، والأهم من ذلك انها كانت هادئة وسلمية.. وإن كان قد سجل تحفظه المسبق على نتائجها وعلى قدرة المجلس الوطني التأسيسي الذي سينبثق عنها على احتواء الميليشيات والمسلحين المتمردين على مشروع الدولة ومؤسساتها، او على الحؤول دون قيام نظام كونفدرالي بين الولايات الليبية التقليدية الثلاث. وهو تحفظ مشروع جداً، عبر عنه الغرب أيضاً، برغم ان حرصه على الوحدة الوطنية الليبية لا يعادل حرص موسكو.

لا شك أن ليبيا فاجأت العالم كله بانتخاباتها الهادئة، ولعلها كانت المفاجأة الاكبر والاهم من سلسلة المفاجآت التي قدمها الثوار العرب في تونس ومصر واليمن وفي كل مكان عربي يشهد ثورة. ثمة بلد يولد من جديد، ومجتمع يعيد اكتشاف نفسه وهويته ومواطنيه ومواطناته اللواتي خرجن بأعداد قياسية وبحماسة استثنائية الى مراكز الاقتراع للمشاركة في محو وصمة القذافي من التاريخ الليبي.
وفي قراءة تلك التجربة الليبية الفريدة، يمكن القول ان التدخل العسكري الاطلسي كان مؤلما ومشبوها ومشينا بحق الليبيين وبحق الامة كلها، لكنه أيضاً أتاح لذلك الشعب فرصة استثنائية لإعادة بناء دولته، من دون مظاهر الاستعمار او الانتداب او حتى من دون عمليات النصب الكبرى التي سبق للأجنبي ان نفذها في مستعمراته السابقة.. او ربما من دون صفقات تزيد عن الصفقات التي وقعها القذافي مع الغرب في سنوات حكمه الاخيرة.

لن يتوقف التيار القومي السلفي عن إدانة تلك التجربة الخاصة والتشكيك بها، وصولا الى حد اتهام الشعب الليبي بأسره بالعمالة للأجنبي، لكن ذلك لن يحول دون فتح النقاش حول سوريا التي لا يتفق نظامها وثوارها الا على أمر واحد وأكيد هو استبعاد التدخل العسكري الخارجي الاطلسي والعربي على غرار ما جرى في ليبيا، بعدما تطورت المواجهة الداخلية بطريقة لا تسمح بتصور إنزال اي جندي عربي او اجنبي على الارض السورية، وانقلبت موازين القوى الى الحد الذي يسمح بالزعم ان المعارضة المسلحة لم تعد بحاجة الى المساعدة من اي قوات أجنبية.. يتردد انه قد تكون هناك حاجة الى إرسالها (بمشاركة روسيا) الى سوريا في مرحلة ما من نهايات الأزمة من اجل حماية جمهور النظام وبيئته من العمليات الانتقامية.
التجربة الليبية ليست مثالية، لكنها يمكن أن تضع روسيا في طليعة الدول المنادية والمساهمة في التدخل الخارجي في سوريا.. لكي لا يتكرر الخطأ الليبي غير المقصود.
  

السابق
أمن حزب الله وأمن لبنان
التالي
إسرائيل للبنان: نحن نهددكم..خافوا