في الفظاظة الروسية

رعى القيادة الروسية ممارسات السلطة السورية ضد السوريين. بل أكثر من ذلك: تشارك فيها من خلال ردف آلتها العسكرية بما تحتاج إليه، ومن خلال التحوّل الى جدار سياسي سميك يردّ عنها، ويصدّ موجات الإدانة الدولية، ومحاولات تحويل تلك الإدانات الى خطوات ردعية عملية تختصر معاناة سوريا وشعبها المنكوب.
حتى في الشكل، تبدو تلك القيادة متآلفة مع الفظاظة وقلّة الحياء.. لا تتوّرع في السياسة والإعلام عن إدانة الضحايا وتحميلهم مسؤولية مصائرهم! ولا تتورّع في الميدان عن الإعلان الحاد بأنها تدعم السلطة الأسدية بالأسلحة التي تحتاج إليها.
.. تتصرّف بهيجان مراهق، ونزق الأعمار المتوترة، وحقد صاحب الثأر (ضد من؟) وهي ما هي، دولة عظمى يُفترض أن تأخذ في الحسبان كل مقوّمات العظمة الصحيحة، وفي مقدمها احترام الإنسان وحقوقه، والخجل أمام الفتك بالمدنيين والمساكين، وإدانة الاغتصاب والسحل والخطف والتنكيل والتعذيب والتهجير المنظّم والتعرّض للعزّل والأطفال والنساء، والالتزام بالمواثيق والأعراف والاتفاقات الدولية الخاصة بتصرّف الجيوش في وقت الحروب.. وما الى ذلك من تفاصيل تدلّ في بداية المطاف ونهايته الى رفعة في الأخلاق متمّمة حُكماً لجبروت السلاح والتصنيع العسكري والفيزياء النووية وفتوحات الفضاء والرخاء الاقتصادي والإنجازات العلمية وما الى ذلك من ثراء فني وأدبي وتماسك اجتماعي ووضوح الهوية الوطنية الجامعة للأفراد والجماعات إلخ..
.. حتى في نواحي الخجل والحياء أمام مشاهد الأطفال السوريين المذبوحين والمطعونين، لا تبدو القيادة الروسية معنية! تتصرّف حيال ما يجري وكأنها تمثال من الشمع الجليدي، مشاعره صفر وتحت الصفر، ومفاهيمه الإنسانية منعدمة تماماً. وفوق ذلك ترمي تلك القيادة قفازات التحدّي بوقاحة ونزق في وجه السوريين الأحرار، والعرب في مجملهم، خصوصاً منهم العائدين من غربتهم الى العصر والحرية ودولة القانون والمساواة والممارسة الديموقراطية، وفي وجه العالم والرأي العام الدولي الذي يتابع مشدوهاً تلك الهمجية الفتّاكة، ولا يصدّق ممارسات الوحوش التي يراها تتوالى أمام عينيه!
ولا بأس من التذكير بأن القيادة الروسية تتجاهل التاريخ ووقائع الجغرافيا القريبة، والتي تقول إن دول المعسكر الاشتراكي السابق في قلب أوروبا كانت عبارة عن مخازن عسكرية للجيش السوفياتي أكثر منها دول مكتملة.. لكن كل ذلك لم يؤدِ الى تغيير حرف واحد في بيان التغيير التاريخي الذي أصابها قبل أن يصيب موسكو نفسها!
سنصل الى يوم، لا يبدو بعيداً، نسمع فيه موقفاً روسياً يدين "إرهاب" الشعب الفلسطيني ضد دولة إسرائيل الديموقراطية! وتطاول اللاجئين من ذلك الشعب على ركائز وحدود وقيم تلك الدولة الآمنة والمسالمة والحضارية!
من يغطي الإجرام الأسدي، يفعل أكثر من ذلك!.. يا حيف!
 
 

السابق
اليونيفيل الكورية تكرّم 13 دولة ساعدت بلادها
التالي
فادي نصرالله