الجدار جيد لاسرائيل

أحيت اسرائيل قبل بضعة ايام 30 سنة على حرب لبنان الاولى. مع قوات الجيش الاسرائيلي التي اقتحمت لبنان انهار الجدار الطيب الذي حاولت اسرائيل بناءه في علاقاتها مع لبنان. وهذا بالطبع تعبير متضارب، إذ ان الجدار بطبيعته يفصل ويبعد. ولكن اسرائيل أملت بان عبر الجدار مع لبنان ستنسج علاقات تعايش. منذ اعوام الـ 2000 بعد الانسحاب العاجل للجيش الاسرائيلي من لبنان، اقيم جدار جديد وقد بات جدارا امنيا بكل معنى الكلمة. كل من يقترب اليه تطلق النار عليه. اما طيب فهو لا.
على مدى السنين تفكر اسرائيل وتقلب فكرة الجدار. وفي خلاف تام لارادتها فانها تحيط نفسها بجدران باتت أعلى فأعلى، مدرعة أكثر فأكثر والكترونية أكثر فأكثر. ليس هناك مثل الجدار ما يشير الى سياقات اتخاذ القرارات في اسرائيل وتغيير مفهومها الامني من هجومي ومبادر الى دفاعي وتحصيني. المثال البارز هو الجدار الامني الجديد في الجنوب، الذي سينتشر على طول 240كم، سيكلف اكثر من مليار ونصف شيكل ويفترض أن يمنع عبور المخربين، مهاجري العمل والتهريبات.
في بداية الاستيطان تبلور مفهوم السور والبرج. ولكن ما أن اقيمت الدولة وباتت لها حدود طويلة ومعادية، حتى امتنعت عن قصد عن التمترس من خلف الجدران. في اختبار الزمن سرعان جدا ما تبين بان اسرائيل توهم نفسها وأن الجدران هي حاجة. أكثر من هذا فانها قول أمني وسياسي. بالذات بعد الانتصار الكبير للعام 1967، اقامت اسرائيل بسرعة الجدار الامني الاول على طول الحدود مع الاردن وهو يعتبر حتى اليوم نجاحا.
كما أن الارهاب كان الدافع ايضا لاقامة جدار آخر هو جدار الفصل بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، مرة اخرى عقب اضطرار وضغط ارهاب الانتحاريين. خلفه اختبأ تفكير جديد: الجدار يصمم حدودنا الشرقية، وفي المكان الذي يوجد فيه جدار ستمر الحدود بيننا وبين الفلسطينيين. رغم الجدال الشديد والمرير الذي جرى في داخلنا قلص الجدار جدا الارهاب في مناطق يهودا والسامرة وحقق نجاحا. مميزة بالطبع هي حقيقة أن ثلثين فقط من اصل 790كم كان مخطط لها قد استكملا، وذلك لانه يعمل هنا المبدأ الاسرائيلي المعروف: ما ليس ملحا لا نفعله.
ولا نزال بقينا مع حدودا طويلة جدا تمتد الى 240كم بيننا وبين مصر، حدود السلام. واسعدنا التفكير بان في هذه الحدود لا حدود الى جدار، ولكن مرة اخرى جاء الواقع الشرق اوسطي المتقلب وفرض على اسرائيل جدارا. وهذه ليست سوى مسألة وقت الى أن تقيم اسرائيل جدارا مشابها بينها وبين الاردن. واضح أن اغلاق محور سيناء سينقل الموجة البشرية لمهاجري العمل الى الاردن. وعليه فيجب الشروع في تخطيطه بل وفي اقامته. في صيف 2012 كل الحدود البرية لاسرائيل، نحو ألف كيلو متر وأكثر، محوطة جيد بالجدران. من جدار الى جدار قوتنا ترتفع وكل واحد بات يمثل تكنولوجيا احدث وأكثر تقدما، ناهيك عن كلفته. قصة الجدران الامنية هي قصة مصغرة عن التاريخ الامني السياسي لنا. وهو يعكس جيدا تمترس اسرائيل خلف الجدران. فضلا عن ذلك، فانه مع الجدار، تبددت الامال بحدود مفتوحة وحركة جارية وتعج بالحياة بيننا وبين جيراننا، بمن فيهم الفلسطينيون. في نهاية المطاف الجدار هو شاهد بارز على حلم تبدد وفي واقع الامر على واقع جديد معه يتعين علينا أن نتعايش لسنوات طويلة.  

السابق
السفارة السعودية نفت الطلب الى رعاياها مغادرة لبنان قبل نهاية الشهر الحالي
التالي
نديم الجميل: لفتح صفحة جديدة مع الفلسطينيين