المؤسسة العسكرية لن تسـمح بكسـر هيـبتها

عندما تحدث قائد الجيش العماد جان قهوجي عن «مايسترو» يشعل التوترات من مكان الى آخر، لم يقل ذلك عن عبث، بل بناء على معطيات يملكها الرجل، دفعته كما المؤسسة العسكرية، إلى رفع درجة التحفز من أجل قطع الطريق على ما يضمره هذا «المايسترو» الذي لا يخفى هدف إشغال المؤسسة العسكرية بما هو غير مطروح على جدول أعمالها.
«المايسترو» نفسه يوسّع منطقة عملياته، من التحريض على الجيش وهدر دم العسكريين والتشكيك في المؤسسة العسكرية ومحاولة خلق بيئة معادية لها وصولاً الى تكبيلها باعتبارات معينة في الشمال وعلى الحدود وانتهاء بإعادة إشعال جمرة مخيم نهر البارد وتمدد الشرارة الى سائر المخيمات الفلسطينية، وخاصة مخيمات الجنوب.
تلحظ القيادة العسكرية هذا المنحى الخطير، وخاصة في منطقة الشمال، وهو الأمر الذي يدفعها الى دق النفير خاصة أن ما جرى في الآونة الاخيرة يتجاوز كونه حادثاً صغيراً في مخيم نهر البارد، بل أظهر أن ثمة من يحاول الاستثمار في المخيمات الفلسطينية من «البارد» الى «عين الحلوة» وغيرهما.
لم يغب عن ذهن القيادة العسكرية أن الجيش موضوع في هذه المرحلة على منصة التصويب اكثر من أي وقت مضى، وهذا يتبدى في الوقائع المتدحرجة، اقله منذ بدء الاحداث في سوريا وما واكب مهمة الجيش خاصة في منطقة الشمال والإجراءات التي اتخذها على طول الحدود اللبنانية السورية، من استهداف مباشر، خاصة من قبل بعض الاصوات التي ارتفعت ولما تزل، فضلاً عن محاولات استنزاف قاسية للوحدات العسكرية، فيما قيادة الجيش تعتصم بالحد الأعلى من الصبر والهدوء متسلحة بقرار عدم الانجرار الى ساحة الانفعال.
تتصرف القيادة العسكرية على أساس أن المؤسسة العسكرية هي «ام الصبي» سواء شاء المعترضون على دورها ام ابوا، ومن دور الامومة هذا تجد الجيش موجوداً في كل المفاصل، بدءًا من الشمال والحدود اللبنانية ـ السورية الى الجنوب والقرار 1701 وصولاً حتى اصغر زاروب في بيروت والضواحي الجنوبية والشمالية والشرقية وذلك بهدف منع اية محاولة للمساس بالأمن وكل ما من شأنه قطع اوصال البلد.
الا ان صبر المؤسسة العسكرية يقف عند بلوغ الأمور حد المسّ بهيبتها ودورها، فدون ذلك «حزّ الرقاب» خاصة في ظل المعادلة القائمة والقائلة بـأن الجيش هو آخر ضمانة متبقية تمنع اللبنانيين من الانزلاق الى الأسوأ أمنياً، وبالتالي حماية الجيش هي حماية للبنان، واي مساس به او محاولة اضعافه او كسر هيبته ومعنوياته او تحجيم دوره او تقييده وتعطيل دوره باعتبارات سياسية او مناطقية او فئوية، معناها تقويض الدولة والوحدة الوطنية وتداعي الوضع برمّته وسريان شريعة الغاب والفوضى والويلات، هذا إذا لم يؤد ذلك الى تقسيم أمني جغرافي او مربعات امنية مناطقية بحكم ذاتي، وهذا معناه نهاية لبنان.
ما هو مسلـّم به في المؤسسة العسكرية ان يدها لا تصفق وحدها، بل بقرار سياسي عابر لكل المصالح السياسية، وحازم وبعيد عن اللغة الانشائية غير القادرة على اختراق جدران بعض المناطق والفئات ومدرك للوقائع الأخيرة والخطيرة التي تبدت مع دخول العامل الفلسطيني على خط المواجهة مع الجيش، وهذا يوجب تبيان الأسباب الحقيقية الكامنة خلف توقيت هذا التوتير المفتعل للعلاقة بين الفلسطينيين والجيش، وانتاج المزيد من الوحل لإغراق الجيش فيه، والهدف من محاولة فتح نزيف جديد للجيش وتوسيع دائرة استنزافه بسحب المبادرة من يده وبما يصعـِّب عليه التقاطها مرة اخرى؟
وفي موازاة ذلك، ثمة الكثير من الاستنتاجات لما حصل على ساحة المخيمات، فهناك من يقول إنه حادث فردي يتحمل مسؤوليته الجيش اللبناني بإطلاق النار على المدنيين، ولكن الصور التي ظهـّرها الاعلام عكست خلاف ذلك، وهناك من يقول في المقابل ان المسألة ابعد من حادث فردي بل مرتبطة بتوجه انتقامي بمفعول رجعي عمره من عمر أحداث البارد وكترجمة طبيعية للعلاقة المتورمة بين الجيش والمخيم، وهناك من يقول ايضاً ان ما حصل في البارد مرتبط بشكل واضح بالحدث السوري ويشكل تكملة للسياق الاستهدافي للجيش في منطقة الشمال والغاية منه إحداث فراغ وإشغال الجيش وشل قدرته على التحرّك بغية اقامة المنطقة العازلة، وما حصل في مخيم عين الحلوة ليس اكثر من قنبلة دخانية ومحاولة لتشتيت الانتباه عن الهدف الحقيقي.
على ان الاستنتاج الذي يحصر الوقائع التي تتالت في المخيمات بـ«حادث فردي»، هو الاستنتاج الاضعف لما رافقه من وقائع تنفي عنه صفة الفردية، ولأن المؤسسة العسكرية تملك معطيات ووقائع قرأت الخطر بين سطور ما يجري، ومن هنا جاء البيان الصادر عن قيادة الجيش في موازاة بيان حركة «حماس» وفيه دعوة مباشرة الى الفلسطينيين من أجل عدم التحريض على الجيش وألا يكونوا ضحية الاستغلال السياسي من هنا وهناك».
كثيرون في هذا السياق سواء داخل المؤسسة العسكرية او خارجها توقفوا عند الدخول السريع لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على هذا الخط واتصاله برئيس الجمهورية ميشال سليمان طالباً المعالجة، وكذلك عند البيان المفاجئ وغير المسبوق لحركة «حماس» ضد الجيش اللبناني ووصفها ما يجري في مخيم نهر البارد بـ«حراك جماهيري عنوانه الكرامة والدفاع عن النفس وهو نتيجة السياسات الأمنية التي استخدمت ضد أهلنا وأدت الى فرض طوق أمني وعسكري مشدّد على المخيمات».
هنا ثمة من يسأل «لماذا دخلت حركة «حماس» على خط «نهر البارد»، علماً أن عشرات الحوادث الفردية حصلت في السنوات الأخيرة، ولم تبد حركة «حماس» حماسة حيالها كالتي أظهرتها بالأمس، علماً ان تلك الحماسة لم تبرز أصلاً اثناء الاحداث العنيفة التي شهدها مخيم نهر البارد، وهل كلامها عن «حراك جماهيري عنوانه الكرامة والدفاع عن النفس» هو مجرّد شعار جماهيري، ام انه مستوحى من حراك «الربيع العربي» لنقل عدواه إلى المخيمات في لبنان؟
أما السؤال الاساسي الذي يفرض نفسه في ظل هذه الوقائع: هل أحداث المخيمات من «البارد» الى «عين الحلوة» ستفرض نفسها بنداً على طاولة الحوار الاثنين المقبل، خاصة أن ما حصل من استهداف للجيش يمس بشكل مباشر ما نصّ عليه «إعلان بعبدا» بإجماع فرقاء الحوار من تأكيد لدعم الجيش معنوياً ومادياً بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة للوحدة الوطنية؟
يقول قيادي بارز في الأكثرية إن الكرة في هذا المجال بيد رئيس الجمهورية، وإن السلطة السياسية كما جميع الفرقاء السياسيين أمام امتحان إثبات الصدقية وإقران القول بالفعل.
ويضيف القيادي إن وعوداً رئاسية بطرح سلاح المقاومة على بساط البحث في الجلسة الحوارية المقبلة إرضاء لبعض الفرقاء، ولكن هل سلاح المقاومة هو الاولوية في البحث الآن، أم أن الاولوية هي البحث في كيفية تعزيز سلطة الدولة ربطاً بما يتعرض له الجيش، وها هو يستهدف من هذا الجانب وذاك، ويمنع من تنفيذ أبسط مهامه في حفظ الامن وصيانة هيبة الدولة؟
إن الاولوية اليوم، يتابع القيادي البارز، «ليست لنقاش سلاح المقاومة، بل لتعزيز سلاح المقاومة أمام هذا الاهتراء في البلد، ودعونا نعود بالذاكرة الى ما قبل العام 1982، حينما تم استنزاف البلد في شتى مفاصله ودخل العدو آنذاك الى لبنان من تلك النافذة، وما أشبه اليوم بتلك الفترة، فهناك من يعمل على اهتراء البلد فيما الاسرائيلي يجري مناوراته ليلاً ونهاراً لاستهداف لبنان. فقبل سلاح المقاومة إبحثوا اولاً في تحصين الجيش الذي هو الاساس في الاستراتيجية الدفاعية». 
 

السابق
أردوغان وأميركا والإخوان المسلمين
التالي
سامي الخوري: نحذر من مخطط يحاك ضد لبنان