هكذا يتحرك حزب الله في الليالي الظلماء

هي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، تقريباً. المكان يلُفّه الصمت. الجميع يغطّ في سبات عميق. إنّها الضاحية الجنوبية وتحديداً النقطة التي تفصل بين منطقتي بئر العبد وحارة حريك قرب "مطعم الروشة". لا شيء يوحي بأنّ أمراً ما قد يحصل، لكن فجأة ينقطع التيار الكهربائي عن المنطقة، فيزداد المكان صمتاً مخيفاً، يخرقه صوت محرّك شاحنة متوسطة الحجم تتقدّم في اتجاه النقطة المحدّدة مع إشارات ضوئية تُنذر بقدومها.

هي لحظات ويمتلئ فيها المكان ببعض الشبّان ذوي اللباس الأسود. وحده محمد يسترق النظر من وراء ستائر نافذته من دون أن يراه أحد. يبدأ هؤلاء الشبّان بتفريغ محتويات الشاحنة داخل مستودع كان حتى الأمس القريب يُقال إنّ كشّافة الإمام المهدي التابعة لـ"حزب الله" تستعمله لأغراض كشفية. لا كلام ولا سلام بين الشبّان، فالمكان هنا لتفريغ الحمولة فقط. تزداد حشرية محمد لمعرفة ما تحتويه تلك الصناديق التي تُنقل بخفّة غير معهودة يرافقها الكثير من الحذر. فجأة وبخطأ تكتيكي بين مسؤولي محطة الكهرباء التي تُغذّي هذه المنطقة وبين المشرفين على عملية التفريغ يعود التيّار الكهربائي، فيتراءى له وجه الحاج "ولاء" أحد كبار مسؤولي جهاز الأمن في "حزب الله" في الضاحية الجنوبية.

لم يدُم التيار الكهربائي أقلّ من دقيقة واحدة تجمّد خلالها هؤلاء الشبّان في أماكنهم، فهم منظّمون ومدرّبون على أعلى المستويات وتراهم يتهيّأون لأيّ مفاجأة قد تطرأ، ومع انقطاع التيّار مجدّداً يواصل الشبّان عملهم بوتيرة أسرع، وتسرع معهم دقّات قلب محمد خوفاً من انكشاف أمره فعندها لن يعلم سوى الله و"حزبه" بالمكان الذي سيُساق إليه، لكنّه أصبح متأكّداً أنّ ما يحصل هو عملية نقل أسلحة، وما زاد في يقينه تلك السيارات الرباعية الدفع التي كان لها دور هي الأخرى في عملية التفريغ لكن إلى خارج حدود الضاحية.

"قولوا الله يا شباب قولوا الله" الساعة قاربت الرابعة، هو صوت الحاج "ولاء" يخرج بصوت خافت يحضّ فيه الشبّان على الإسراع في العمل، والآن أصبح محمد متأكّداً مئة في المئة أنّ "ولاء" هو الذي يُشرف على عملية التفريغ.

صوت يؤكّد الشكوك

ظنّ محمد في اليوم التالي أنّه الشاهد الوحيد على ما حصل، لكن بعد همسات سمعها من الجيران والأقارب، تقول إنّ شاحنة الأمس قد سبقها عدد كبير من الشاحنات أفرغت حمولتها في المكان عينه وفي العديد من مناطق الضاحية الجنوبية، خصوصاً خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، تأكّد له أنّ هناك أمراً ما يتمّ التحضير له انطلاقاً من الضاحية الجنوبية، وأنّ هناك خوفاً شديداً من الأوضاع في سوريا، لذلك يعمد "حزب الله" إلى نقل أسلحته إلى لبنان وتحديداً إلى هذه المنطقة التي على ما يبدو أنّ مستودعاتها لم تعد تتحمّل المزيد من تخزين السلاح فيتمّ نقل بعضها إلى مناطق أخرى.

شكوك محمد حول محتويات الشاحنة يترجمها نوّاب "حزب الله" على الأرض خلال لقاءاتهم المتنقلة يوميّاً بين المناطق التي ينتشر فيها الحزب بوضوح. أحد الشبّان الذين حضروا لقاءً جمع كوادر في الحزب مع نائب لهم لإطلاعهم على الأوضاع في لبنان، نقل عن الأخير قوله: "نحن في الحزب وتحديداً الطائفة الشيعية مستهدفون اليوم اكثر من أيّ وقت، إذ إنّ هناك اتفاقاً غربياً وعربياً على إضعافنا وتكسيرنا في حال لم تنجح خططهم بإخراجنا من البلد ومن منطقة الجنوب تحديداً، من أجل إبعادنا عن مواجهة الإسرائيلي، وما يُحكى عن أسلحة تصلنا باستمرار أمر لا ننكره لا الآن ولا في المستقبل".

ويضيف النائب نفسه: "هناك خطر سنّي سلفي تكفيري يُعَدّ له بإدارة أحد رجال أميركا الأوائل في المنطقة العربية، يتمحور حول إرسال عناصر من تنظيم "القاعدة" إلى لبنان لمواجهة الشيعة، لأنّنا وبحسب مفهومهم العقائدي كفّار ولا بدّ من التخلّص منّا".

دور نوّاب "حزب الله"

وفي لقاءاتهم تلك، يطلب نوّاب "حزب الله" من العناصر الحزبية الملتزمة الاستعداد للوقت الذي يُطلب منهم الدخول في معركة كبيرة عنوانها "الدفاع عن كرامة الشيعة وأهل البيت"، بعد أن يبلّغوهم سلام الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله لتتحوّل الجلسة إلى ما يشبه تعبئة عامّة يُعبّر خلالها كلّ فرد عن رغبته في الاستشهاد بين يدي نصرالله.

وكثرة الكلام عن استهداف الطائفة الشيعية التي يثيرها نوّاب "حزب الله" في لقاءاتهم الخاصة، دفعت بشاب انتسب أخيراً إلى "الحزب" للمجاهرة علناً أمام أصدقاء له لا ينتمون إلى طائفته خلال نقاش محتدم، ليقول: "نعم نحن نتدرّب على كلّ أنواع الأسلحة في بيروت والبقاع، وما تُحضّرونه لنا سينقلب ضدّكم وسترون أموراً لا تتوقّعونها".

ويتابع الشاب هجومه الشرس ضدّ أصحابه ويسألهم: "هل رأيتم في 7 أيّار منازل وأحياء تسقط من شدّة القصف الصاروخي؟ وهل رأيتم شبّاناً يحتلّون منازلكم ويكبّرون بـ"ألله وأكبر" مع كلّ هدف يُسقطونه لتيار "المستقبل"؟ وهل شاهدتم كيف تُهدم الأبنية من جرّاء تعرّضها لصواريخ "زلزال" و"رعد" أو حتى لعبوات ناسفة؟ وعندما أجابوه بالنفي، سألهم مجدّداً : إذاً أين هو "حزب الله" الذي تدّعون أنّه هجم عليكم في ذلك التاريخ؟".

شروط الانتساب

يُعرَف أنّ لـ"حزب الله" شروطاً وقواعد للانتساب إليه، وعلى رأسها أن يكون شيعيّاً مصلّياً مؤمناً بولاية الفقيه ومقلّداً للولي، أي أن يتبع شروطه المتعلقة بالدنيا والدين، وأن لا يكون تجاوز الـ 33 عاماً. هذه الصفات مكتملة في شخصٍ تخوّله أن يصبح فرداً في الحزب، وهذا يُسمّى بالاستقطاب. أمّا في حال لم يستوفِ الشخص هذه الشروط، فالأمر لا يعني أن لا مكان له، بل على العكس، إذ هناك حال اسمها "السرايا الشيعية"، وسبق أن أطلِق عليها اسم "سرايا المقاومة اللبنانية"، يُعرف عن المنتمين إليها أنّه يتم تدريبهم على كلّ أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة داخل الحسينيّات والمساجد والأماكن المغلقة التي تقع تحت سيطرة الحزب أوسلطته، ويخضع هؤلاء الموزّعون داخل أحياء الضاحية وخارجها مع بعض مجموعات تابعة لأحزاب حليفة إلى تدريبات خاصة في إحدى مناطق البقاع الشمالي على أيدي ضبّاط من "الحرس الثوري الإيراني"، وذلك بحسب المصادر".

عين القوى الأمنية

أسئلة كثيرة تجول في رأس محمد لكنّها لا تجد لها أجوبة شافية تريح تفكيره المنشغل دائماً، ومن ضمنها كيف تنجح تلك الشاحنات المحمّلة بكلّ أنواع الأسلحة في الوصول إلى منطقته، أليس هناك دولة تراقب حركات المرور في الليل والنهار، وهل معقول أنّ هناك أشخاصاً في الدولة يسهّلون هذا العبور؟

أسئلة تجيب عنها جهات أمنية تراقب عمليات التسليح في بيروت وضواحيها منذ 7 أيار 2008، فتقول: "نعم هناك أجهزة أمنية تغضّ الطرف عن عمليات نقل أسلحة إلى أماكن محدّدة في بيروت وضاحيتها، وهناك مسؤول في جهاز معروف يسهّل هذا المرور على الطريق الممتد من البقاع إلى بيروت". وتضيف: "قد يزعج كلامنا هذا، بعض من هم في السلك، لكنّها حقيقة قائمة، ولكن في المقابل هناك فئة أخرى في جهاز أمني آخر ما زالت تتعقب عمليات توزيع السلاح منذ أحداث 7 أيار حتى اليوم وترصده في أماكن تخزينه، وبحسب ما تكشف أنّه يُخبَّأ في دور العبادة وشقق تعمل بموجب رخص اجتماعية ودينية وحتى طبّية".

لا رحمة

النويري، البسطا التحتا، الوتوات، رأس النبع، الحمرا، كراكاس، الروشة، فردان، المصيطبة، عائشة بكّار، زقاق البلاط وخط الجامعة الأميركية، كلّها مناطق أصبحت مُهيّأة ومُعدّة للساعة صفر. وإذا عرفنا أنّ السلاح الذي تختزنه تلك المناطق هو متوسط وثقيل من نوع هاون 60 ملم و120 ملم وراجمات كورية وإيرانية وروسية المنشأ، عندها نعرف طبيعة المعركة التي يتمّ التحضير لها، ليس في بيروت فحسب، بل في لبنان كلّه".

وتكشف أنّ "الحزب السوري القومي الاجتماعي سيكون له الدور الأبرز لحظة إفلات الشارع، وقد أعطيت أوامر عليا لكوادره وعناصره بعدم الرأفة أو الرحمة مع أيّ حال قد تواجههم".

يبدو أنّ الخناق بدأ يشتدّ على رقبة النظام في سوريا، ومعه بدأ "حزب الله" وحلفاؤه يشعرون بخطر يدهمهم ويحاصرهم أمنيّاً وسياسيّاً. فعلى المستوى الأمني، يدرك الحزب أنّ سلاحه أصبح محطّ أنظار و"إعجاب" الداخل والخارج، ولذلك لا بدّ من الوصول إليه بأيّ طريقة. أمّا على المستوى السياسي، فهناك حُكم دولي مُنتظر يتعلق باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وأمام هذا الواقع، لم يعد أمام "حزب الله" سوى احتمالين لا ثالث لهما: إمّا التسليم بالأمر الواقع، وهذا مستبعَد، وإمّا إعلان حال التعبئة العامة في صفوفه وصفوف حلفائه واللعب على الوتر المذهبي، وفي هذه الحال يكون الهيكل قد هُدم على رؤوس الجميع وأوّلهم "حزب الله" نفسه.  

السابق
الكتيبة الكورية قدمت معدات تكنولوجية لمدرسة “القسطل”
التالي
نوكيا تعتزم الاستغناء عن 10 الاف وظيفة بحلول نهاية 2013