في الكفاح الأسدي

لا تلتفت إلى الخلف آلة السلطة السورية بكل مقوّماتها وأدواتها، بل تمضي قدماً في حربها المفتوحة ضدّ الثائرين عليها، وتسمّي ذلك "كفاحاً لاستئصال الإرهاب". ثم "تبدع" في ذلك التوصيف تماماً مثلما "تبدع" في تسجيل ظواهر دموية استثنائية في فظاظتها وعنفها.
وفي سياق مدوّنة سلوكها، تسعى إلى أهدافها ومعاركها وفق مبدأ الإلغاء التام لخصومها وأعدائها، ووفق سياسة الأرض المحروقة والدفع باتجاه حرب أهلية شاملة. ثم تأخذ على أهل التوصيف دقّتهم في مصطلحاتهم وعملهم حتى لو كانت تلك الدقّة تعبّر في النهاية عن فوز السلطة بمرادها، أي تحويل الثورة إلى مذبحة مفتوحة أكثر "تطوراً" من الحرب الأهلية وضروبها.

ولا مجال من جديد، لأي زوغان في الحساب أو القراءة: مسيرة سلطة الأسد في اتجاه واحد ولا عودة فيه إلى الوراء. إما أن تبقى في مكانها قابضة على سوريا بما فيها، وإما الخراب العميم. ومَعينها على ذلك لا ينضب. مَدَدٌ روسي إيراني يماثل حبل السرّة. يصوّر حرب السلطة في دمشق وكأنّها حرب السلطتين في موسكو وطهران!
والغريب في هذه التركيبة، أنّ موسكو الجافلة من صعود أصوليي سوريا على أنقاض سلطة الاسد، تشبك سياستها الدفاعية عن تلك السلطة مع نظام أصولي إيراني راكن عند حدودها، وطموحاته أكبر من تلك الحدود وعابرة لها، "ومناخه" في أصله وفصله وبدئه وختامه قائم على عصب ديني مذهبي، يدّعي القياصرة الروس الجدد خوفهم من تناميه وتفتّحه أكثر فأكثر في سوريا العربية!

.. لم تدخل سوريا تماماً في الحرب الأهلية. صحيح. لكنها في الطريق إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير. ولا تلغي مرارة الخلاصات وضوح المسبّبات: لم تتحرّك المعارضة منذ أيامها الأولى على وقع حسابات طائفية أو مذهبية وإنما على وقع شعارات عامة تهمّ كل السوريين وليس جزءاً منهم.. الحرية مشاع عابر للطوائف والمذاهب، ودولة القانون خيمة تضبّ تحتها كل مكوّنات سوريا وليس جزءاً منها. وإلغاء سلطة المافيا لا يعني منطقة أو فئة من دون أخرى. ومبدأ تداول السلطة لا يتعلق بخيط واحد من ذلك النسيج الرابط بين كل السوريين إنما بكل خيوطه وألوانه ورسومه.

عرفت سلطة الأسد ذلك منذ بداياته.. دفعت بكل قواها نحو تخريبه وتدميره وإحالته رماداً مخلوطاً بدم أهله، وتكاد أن تنجح في سعيها، وأن تدمّر سوريا حاضراً ومستقبلاً مثلما دمّرتها سابقاً من خلال إعدام حياتها السياسية والثقافية والتنموية ومن خلال إشاعة "ثقافة" التمييز الفئوي بين أهلها وتمويه ذلك بخليط حزبي عسكري أمني كبير ومدمّر ولا يرحم.  

السابق
الصراع على سورية يفكّك الدولة والجيش
التالي
جدار كفركلا.. يستحضر جدار برلين قبل سقوطه !!