عملاء ونقطة على السطر

لا نعرف تحت اي قانون ووفق اي دستور وانطلاقاً من اي منطق تنطق محكمة التمييز العسكرية التي ترأسها القاضية اليس شبطيني بأحكام تخفيفية بأسم الشعب اللبناني بحق عملاء لم يترددوا من الساعات الاولى بعد توقيفهم وعند اول جلسة تحقيق معهم من الاعتراف بخيانتهم وعملاتهم. لم اتمكن حتى كتابة هذه السطور في معرض بحثي بين قوانين المحاكم اللبنانية والدولية واستفساراتي للعديد من القضاة والمحامين على ايجاد مبررات وحجج قانونية لاحكام القاضية شبطيني المثيرة ليس للجدل فقط بل للدهشة والاستغراب كونها تعتبر من احدى القاضيات المتمرسات وهي التي يصر رئيس الجمهورية ميشال سليمان على موقفه بتأييد ترشيحها لمجلس القضاء الاعلى.

لست ادري كيف يمكن تبرير ما اقترفه العميد فايز كرم بحق نفسه اولا ووطنه ثانياً، وهو من الذين اعترفوا بعمالته، في أثناء التحقيقات الأولية، ليدخل بعدها في شرح التفاصيل، منذ اول لقاء تعارف بينه وبين احد الضابط الإسرائيليين في العام 1982 وصولا إلى آخر اتصال اجراه مع مشغله في العام 2009. لست ادري كيف ان القضاء العسكري وهو الجهة المخولة بالنظر في دعاوى العملاء وكل ما يعرض امن الدولة وسيادتها للخطر – حتى نحسن النوايا وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي لا يحبذها البعض- مر عليه مرور الكرام تاريخ اكثر من 28 عاماً من التواصل المباشر بين كرم والاسرائيليين . فوفق حكم الافراج الصادر صبر الاسرائيليين على كرم طيلة هذه المدة- ولم يكن يزودهم سوى باخبار بسيطة لا تستأهل بحسب المحكمة العسكرية اي احكام بالمؤبد او الاعدام مع العلم بأن هذا الاخير وهو تسلم رئاسة مخابرات الجيش بين العامين 1988 والـ 1990 وسبب اختياره من قبل الموساد لا يشك اي عاقل بأن يعود الى حجم المعلومات التي يملكها سواء عن الجيش اللبناني والاجهزة الامنية وبدرجة اقل المقاومة لاسيما بعد العام 2006.

وقبل ان يستفق الرأي العام اللبناني من صدمة اطلاق العميل فايز كرم، وما رافقها من مظاهر وقاحة تستحق المثل القائل " يلي ستحوا ماتوا"، اطل علينا من وجد في نفسه رأفت الهجان من جديد. زياد الحمصي، عميل اخر يتقاسم صفة الوقاحة مع غيره من العملاء المدعومين، ولربما هي مفارقة لا تحدث سوى في بلد العجائب ان يتم الاكتفاء بمدة توقيفه بحكم صادر بأسم الشعب اللبناني، وبمحام دفاع، وهو نقولا فتوش، ممثل الشعب في مجلسه النيابي. وكغيره لم يرض الحمصي ان تكون فرحة اخلاء سبيله ناقصة واقل من زميله كرم. فوجاهة اطلاق العملاء بات لها اداب وقواعد وبرستيج خاص في لبنان، بل انها فاقت في بعض منها مراسم تحرير اسرى واسترداد اجساد الشهداء. لا عجب ان يهدد الحمصي ويتوعد كل من ساهم حسب رأيه في تشويه صورته وسمعته من سياسيين ووسائل اعلام، وهو الذي تناسى انه لم يأخذ وقت من المحققين سوى ثلاث دقائق، اعترف خلالها بكل شيء، حين كان يلتقي مشغليه في بانكوك وعواصم اخرى، والمبالغ المالية التي كان يتقاضاها بعد اي معلومة مهمة. وعلى طريقة عملاء ما بعد العام 2000 استفاد الحمصي من سياسة 6 و 6 مكرر وسار وفق فصولها الطائفية والمذهبية والحزبية وكان له ما اراد. وقبل كرم والحمصي رق قلب القضاء اللبناني ايضاً على عائلة عملاء من آل العلم ولظروف صحية تم اخلاء سبيلهم في حلقة من مسلسل اطلاق الاحكام التخفيفية بمن وجد في العمالة والخيانة مهنة مربحة، استعاضوا ببديلاً عن مبررات الاكراه والاجبار السابقة بأخرى عنوانها الحسابات والنكايات السياسية.

 

السابق
سلهب: كل ما جرى يدل على فشل المحاولات الممكن أن تؤدي الى حرب طائفية
التالي
الركاكة المذهلة لقاض مصريٍ