لبنان بين المتغيّرات الدوليّة والإقليميّة

في الجغرافيا العسكرية والسياسيّة أنّ لبنان يقع في الضفة الشرقيّة للعبة الأمم الدولية، وفي الضفة الغربية للعبة الأمم الإقليميّة، ويُراد له أن يدفع ضريبة ذلك من خلال الصراع الدولي على النفوذ في المنطقة والسيطرة على ثرواتها الطبيعية والتحكّم بممراتها الاستراتيجية كما يدفع ضريبة التسابق بين المحاور الإقليمية على إستقطابه وإحتوائه لصالح محور ضد آخر، وما يؤدّي إلى فقدان السيادة وضياغ الإستقلال ونشوء منازعات وإنقسامات بين السياسيين، جرّاء عدم توحيد نظرتهم إلى خطورة ما يحيط بوطنهم من تطورات ساخنة، تستوجب مسارعتهم إلى التلاقي لتحجيم إنقساماتهم بالتحاور البنّاء، والتنازل عن الأنانيّات الهدامة والخروج من موروثات ورواسب عقود خلافات سابقة تتحكم بهم وتحكم مساراته المتصادمة، ولذا دقّ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ناقوس الخطر من إستمرار العناد والتعنّت في التجاذبات السياسيّة والإعلاميّة الخانقة، في الوقت الذي يدعو الواجب الوطني إلى وقف الخصومات والتناحر والإقلاع عن الإتهامات المشتركة، ووجوب التنسيق مع الدولة في كلّ ما يؤدّي إلى تحسين الوضع بالتوافق السياسي على مقوّمات ومقدّمات وأسس ومضامين وضمانات الإنقاذ من التخبّط والتصادم اللذين يفتحان الأبواب أمام التدخلات الخارجيّة في شؤون لبنان الداخليّة، ومن الطبيعي لمعالجة ذلك، أنّ يتسابق الأفرقاء إلى الجلوس حول طاولة الحوار في القصر الجمهوري برعاية وحضور وإدارة الرئيس سليمان للمناقشة الديمقراطية والدستورية حول سبل وآليّة هذه المعالجة، بعيداً عن المزايدات وطرح الشروط المُسبقة والمطالب التعجيزية من هذا الطرف أو ذاك على صعيد الإستراتيجية الدفاعية وسواها، وأن تكون المصلحة اللبنانية الواحدة هي السقف والأساس والقوّة الدافعة إلى الحوار من دون التحسّس بشعور الغالب والمغلوب والقاهر والمقهور، والخاسر والرابح، لأنّ الدخول إلى قاعة الحوار بروح التوافق على هذه المصلحة، يجعل الجميع منتصرين على الخلافات ورابحين في التحاور بلغة «الطائف»، وقاهرين للظنون والتحفظات بالثقة المتبادلة في النفوس والنصوص، لأن التمسك بهذه التحفظات والظنون لا يحافظ على الدولة من الشرّ المستطير في تأزيم الأزمة وتحويل المتحاورين الى متحاربين وتحويل الشعب الواحد إلى مجموعة «شعوب» تتقاسمها الشوارع والأزقة والإعتصامات المذهبية من هنا وهناك وهنالك، بكلّ ما ينتج عن هذا التنازع من مضاعفات لم تكن في الحسبان حتى لدى المتنازعين أنفسهم، ومن هنا تتأكّد أهميّة وضرورة إستبصار السياسيين اللبنانيين خطورة التنازع في ما بينهم وتداعيات التطورات الإقليمية على حدود وطنهم، كي يتحوّل هذا الاستبصار الى موقف وطني في التحاور بين السياسيين تحت عنوان: ما نفع هذا الفريق أو ذاك إذا ما ربح مكتباً خاصّاً وخسر الوطن.

السابق
صمت نواب جبيل
التالي
معلومات إيطالية حذرت من محاولة اغتيال بري بإستهداف موكبه بين عين التينة والبرلمان