ما بعد المراقبين

لم يعد بعيدا اليوم الذي يصبح فيه التدخل الدولي مطلبا رسميا للنظام السوري، ويتحول مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان الى مكلف بالحؤول دون اي تغيير جذري في الوضع السوري، تفرزه موازين القوى التي تميل بسرعة لمصلحة المعارضين السوريين.
لا حاجة الى التثبت من حقيقة ان مهمة أنان بشكلها الحالي وبنودها الستة انتهت تماماً، ولن يحتمل المبعوث الدولي ولا المجتمع الدولي والعربي من الان فصاعدا ان يكون شاهدا على المذابح المتنقلة التي باتت عنوانا رئيسيا للازمة السورية وخيارا وحيدا لأطرافها. والمؤكد ان أحدا لن يستطيع الانتظار حتى نهاية مهلة الأشهر الثلاثة في منتصف تموز المقبل حتى يبدأ البحث عن بديل.

لن يجرؤ احد على اعلان فشل مهمة أنان بصيغتها الراهنة، التي لم توفر الحد الادنى من الأمن والامل لا للمعارضة ولا للنظام ولا لمن يقف في الوسط بينهما. ولعلها ساهمت في تأجيج الصراع الأهلي نتيجة التصورات والتوقعات الخاطئة التي عبّر عنها الجميع من دون استثناء. لكن البحث في الخطوة المنطقية التالية، التي اقترحها كثيرون منذ اللحظة الاولى، وتتمثل في زيادة عدد المراقبين الدوليين ليصل الى الآلاف، ربما يكون قد بدأ فعليا في عدد من العواصم المعنية وفي الامم المتحدة.

والتطور الطبيعي لمثل هذا البحث هو طرح فكرة تعديل مهمة المراقبة، بحيث تجري الاستفادة من آلعدد الجديد من المراقبين من اجل الانتقال الى مهمة حفظ السلام، التي تمثل جوهر الامم المتحدة وعنوان يومها العالمي الذي احتفلت به امس، مع وحداتها المنتشرة في مختلف مناطق الأزمات في العالم.

ليس هذا هو الخيار المثالي لوقف العنف المروع في سوريا، ولن يكون من السهل على الامم المتحدة ان توفر متطوعين لمثل هذه المهمة البالغة الخطورة التي تقضي بالفصل بين طرفي حرب أهلية وضمان وقف لإطلاق النار… لكنه يظل افضل بما لا يقاس من الاكتفاء بالمراقبة التي أثبتت عدم جدواها وادت الى ما يعاكس الغرض منها. والاهم من ذلك انه الخيار الوحيد المتاح، ما دام التدخل العسكري الاطلسي على الطريقة الليبية غير وارد في الظرف الحالي، وما دام الحل اليمني غير متوافر وهو يحتاج الى المزيد من المذابح والى المزيد من عمليات التطهير الديني.

قبل اشهر كان مثل هذا السيناريو خياليا، بل كان اقتراح المراقبة الدولية وهميا. اليوم يبدو ان الحرب الاهلية السورية تسابق بوقائعها المرعبة كل ألافكار الافتراضية التي يمكن ان تسهم في وقف واحدة من أسوأ عمليات الانتحار الجماعي…
اختلال موازين القوى الداخلية في سوريا في غير مصلحة النظام، لن يكون عائقا امام هذا التطور في الموقف الدولي، الأرجح انه سيكون حافزا يهدف الى الحؤول دون اي تغيير في الديموغرافيا السورية القاتلة.

السابق
حـرق الأسعار في النبطية لا يحـرك الســوق
التالي
ميقاتي وشربل الى تركيا عصرا