ارتباك 14 آذار غير مبرّر

كلّ مسؤولية الرأي العام الاستقلالي تكمن في أنّه جدّد ثقته وتفويضه لقوى 14 آذار بعد اجتماعها الأخير في "بيت الوسط"، وذلك على رغم خيبات أمله التي لا تعدّ ولا تحصى، حيث توهّم أنّ هذه القوى عازمة فعلياً على استرداد المبادرة السياسية والانتقال من الجمود إلى الفعل السياسي، أي العودة إلى الشارع، إلى الوضوح، من أجل إسقاط حكومة سوريا و"حزب الله" في لبنان، والدفع لتشكيل حكومة إنقاذية حيادية مهمّتها إدارة المرحلة الانتقالية الفاصلة عن سقوط النظام السوري لتجنيب لبنان كلّ المحاولات السورية لتفجيره.

وهذه المهمّة ليست مستحيلة بخلاف ما يتوهّم البعض، لأنّ الظروف الخارجية والداخلية أكثر من مؤاتية، وحتى بمعزل عن هذه الظروف من مهمّة أيّ قوة سياسيّة أن تتحمّل مسؤولياتها الوطنية لا أن تستقيل من مهامها، وبالتالي جلّ ما هو مطلوب كان إعلان موقف واضح وصريح والعمل على ترجمته.

فلا يصحّ أن تكون بالتشخيص حكومة انقلابية وتتمّ المشاركة في الوقت عينه في الاستشارات وجلسات الثقة وكأنّ العملية ديمقراطية ودستورية، والأسوأ أن تحمّل هذه الحكومة في بيان 14 آذار الأخير مسؤولية تغطية القرار السوري بتفجير البلد ومن ثمّ يصار إلى تغطيتها عبر المشاركة في الحوار.

إنّ المشاركة أو عدمها يُفترض أن تكون محسومة سلفاً ليس فقط كون الحوار مع هذا الفريق على طريقة "فالج لا تعالج"، والتجربة أكبر برهان، وموقف السيد حسن نصرالله الأخير، الذي دعا فيه إلى معالجة السلاح المنتشر في الأحياء تحت معادلة "جيش وشعب ومقاومة"، قدّم هدية مجانية لـ14 لرفض هذه المشاركة، إنّما أيضاً لأنّه من غير المسموح على فريق سياسي "طويل وعريض" ويعتبر نفسه صاحب مشروع "العبور إلى الدولة" أن ينقلب على بيان لم يجفّ حبره بعد، ولم يصدر أيّ تحفظ في الإعلام من قبل أيّ جهة سياسية على هذا البيان، الأمر الذي يعتبر استخفافاً بالرأي العام الاستقلالي.

14آذار مُطالبة، في حال مشاركتها في الحوار، بتوضيح واعتذار: ماذا ستقول للناس عن إعلانها في 13 آذار 2011 أنّ الحياة السياسية لا يمكن أن تستقيم في ظلّ سلاح "حزب الله" الذي هو سلاح ميليشياوي يفترض نزعه، وأن لا حوار على هذا المبدأ إلّا بعد إعلان الحزب عن موافقته تسليم سلاحه ووضع جدول زمني واضح لذلك؟ وماذا ستقول للناس عن اشتراطها المشاركة في الحوار بتشكيل حكومة إنقاذية حيادية، لأنّها ترفض الجلوس مع حكومة تتلقّى إملاءاتها من سوريا و"حزب الله"؟ أمّا الاعتذار فهو كناية عن مصارحة الرأي العام الاستقلالي بأنّها ليست أهلاً لمواصلة مسيرة انتفاضة الاستقلال، ولكلّ فريق عندذاك أن يتدبّر أموره بنفسه؟

كان ثمّة اعتقاد أنّ الانتفاضة السنّية في طرابلس وعكار على إثر المحاولة السورية تكرار 7 أيار لإخضاع أهل السنّة مجدّداً أعطت درساً ثميناً بأنّ استرخاء تيار "المستقبل"، حتى لا نعطي وصفاً آخر، أدّى إلى تفلّت الشارع الإسلامي من قدرة التيار الأزرق على ضبطه، وهذا الواقع مرشّح إلى مزيد من التفلّت في حال لم يستعِد "المستقبل" و14 المبادرة، ما يعني انتقال المواجهة من المربّع

الوطني إلى المربّع المذهبي، وخطورة هذا الواقع على مستقبل البلد، ولعلّ ما يصحّ على الشارع الإسلامي قد ينسحب على الشارع المسيحي الذي يظهر وكأنّه فقد عصبيته وروحه النضالية.

إنّ ما صدَر من مواقف عن رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع وتيار "المستقبل" يعبّر بدقّة عن الأسباب الموجبة لرفض الحوار من حصرية السلاح داخل الدولة، الذي يؤكّد "حزب الله" يومياً على تمسّكه بسلاحه إلى عدم صلاحية الحكومة الحالية لكي تكون إطاراً مواكباً للحوار، ولكنّ هذا الأمر يبقى غير مكتمل ما لم يصدر عن قوى 14 آذار موقف رافض للحوار، وذلك عبر صياغة ورقة معلّلة بشكل منهجي تعدّد الحيثيات والأسباب التي تحول دون تلبيتها دعوة رئيس الجمهورية، ويصار إلى تسليمها للرئيس في أقرب وقت ممكن.

الحوار يقدّم "خشبة خلاص" لفريق 8 آذار، ويخدم سياسة هذا الفريق، وبالتالي يجب حرمانه التئام الطاولة قبل تعديل التوازنات الداخلية عبر إسقاط الحكومة الميقاتية، وهذا بأقلّ تعديل، فيما المطلوب انتظار تبدّل التوازنات الخارجية مع سقوط النظام السوري الذي يجعل شروط الحوار أكثر واقعية.

لا شيء يبرّر هذا الارتباك لدى قوى 14 آذار التي كان عليها أن ترفض الدعوة منذ لحظة إعلانها، إذ إنّها في أفضل أحوالها مقارنة مع وضع 8 آذار، ويكفي في هذا السياق الإشارة إلى أبرز مؤشّر لقضية المخطوفين التي يأمل الجميع عودتهم سالمين، وهو أنّ الجسر الذي كان يربط لبنان بإيران انهدّ نهائياً، وهذا تطوّر جيو-استراتيجي بغاية الأهمية، و"الحبل على الجرار".

إنّ رفض تلبية دعوة رئيس الجمهورية ليست موجّهة ضدّ الرئيس الذي من واجبه وحقّه أن يبادر، وهذا دليل شعوره بالمسؤولية لجهة محاولته البحث عن مخارج من المأزق الراهن، إنّما من واجب 14 آذار وحقّها بالمقابل الرفض، لأنّ شروط الدعوة وطبيعتها وظروفها لا تحقّق المرتجى من وراء هذا الحوار.

وإذا كان المطلوب إنقاذ لبنان، طريق هذا الإنقاذ واضحة: إسقاط حكومة سوريا و"حزب الله" وسحب السلاح من جميع اللبنانيين.

السابق
الناتو يعلن مقتل السعودي صخر الطيفي
التالي
النهار: أوساط قضائية تردّ على الجعفري: رسالته تضمّنت مغالطات مضمونها سياسي