حوار على ماذا؟

يحاول رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، منذ فترة إيجاد فرصة لجمع أعضاء طاولة الحوار. ويشجّعه على ذلك رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والوزير وليد جنبلاط.

وأتت رسالة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز لتعطي زخماً للراغبين في الدعوة إلى الحوار، وبالفعل دعا الرئيس سليمان إلى انعقاده في 11 حزيران المقبل.

ولكنّ المسألة ليست في هذه البساطة، لأنّ لا أحد من القوى الرئيسة المعنية قادر على تقديم تنازلات، ولا راغب في عقد تسويات إلّا بشروطه.

أمّا عِقَد الحوار ودوافعه فكثيرة، وأبرزها:

1 – الفتنة السنّية – الشيعيّة: يرغب "حزب الله" صادقاً في تجنّب هذه الكأس التي لا يعرف أحد إلى أين تؤدّي، لكن ما يجري على الأرض يشي بأنّ الظروف تتّجه لتصبح مؤاتية أكثر فأكثر لاندلاع كارثة مذهبية يوماً بعد يوم، ولا يبدو في صراحة، أنّ الحزب يملك قراءة استباقية تحضّه على دفع ثمن صغير اليوم تجنّباً لدفع أثمان كبيرة غداً، خصوصاً وأنّ "الأرض" في الجهة المقابلة تسبق القيادات السياسية وتكاد تخرج عن أيّ سيطرة.

2 – تحييد لبنان عن الأزمة السوريّة: إنّ ارتباط القوى اللبنانية الأساسية بالمحاور الإقليمية إلى حدّ التبَعية، يجعل من المستحيل التوصّل إلى "النأي بالنفس"، وتجنّب تداعيات الحالة السوريّة سياسيّاً وأمنيّاً في لبنان، بل أكثر من ذلك، لا "حزب الله" ولا التيّارات الموالية لمناهضي السلطة السوريّة في لبنان في وارد "النأي"، لأنّ الصدام هو صدام عنيف بين مشروعين، ومحورين، وطائفتين، ينتمي كلّ من الفريقين اللبنانيّين إلى أحدهما. وإذا كانت المواجهة في سوريا حتى الموت، فإنّ المواجهة في لبنان ستكون حتى النهاية، لأنّ لا أحد هنا يملك قراراً ذاتيّاً.

3 – السلاح: وضعت قوى 14 آذار سلاح "حزب الله" هدفاً أساسيّاً للحوار، لكنّ تحقيق هذا الهدف ليس في متناولها في هذه المرحلة ولا في المراحل المنظورة، لأسباب تتعلق بهوية هذا السلاح ومشروعه ودوره وقدراته. وليس حتى في إمكان "حزب الله" تقديم تنازلات في هذا الملف حتى لو رغب افتراضاً، إضافة إلى ظهور "سلاح متجدّد" في الشمال وبيروت في مواجهة سلاح الحزب، ناهيك عن أنّ عدم تنفيذ قرارات الحوار السابقة في سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات لا يشجّع ولا يُنبئ بنجاح الحوار، بل يشكّك في جدواه.

4- الحكومة والسلطة: يسيطر "حزب الله" على السلطة والحكومة شاء من شاء وأبى من أبى، ولن يفرّط بما غنمه ترهيباً وترغيباً، على رغم أنّ هذه الحكومة عاجزة عن أيّ إنجاز حتى عن الاستقالة.

في المقابل تطرح قوى 14 آذار مشروع تأليف حكومة إنقاذ، يذهب بعدها الجميع إلى طاولة الحوار لتكريس حدّ أدنى من التفاهم على الملفّات الخلافية التي تهدّد استقرار البلد وأمنه ومستقبله.

إلّا أنّ "حزب الله" يشترط الذهاب إلى الحوار بلا شروط، وهذا يعني أنّ البيئة الحاضنة للحوار لم تجهز بعد، (على رغم توجيه الدعوات)، وبالتالي فإنّ الأمور ذاهبة في اتّجاه مزيد من الحوادث والتوتير والتصعيد، ميدانيّاً.

وهنا لا بدّ من تسجيل ملاحظتين:

الأولى: لماذا وجّه الرئيس سليمان الدعوات مستبقاً لقاءَه مع وفد 14 آذار الذي سيزوره قريباً لإبلاغه موقفه من الحوار، وهل يخبّئ مفاجأة لا يريد كشف كلمة السرّ عنها الآن؟

والثانية: ماذا ينتظر "حزب الله" من هذا الحوار إذا كان لا يريد أن يقدّم شيئاً في المقابل، خصوصاً وأنّ الفريق الآخر لا يملك أصلاً شيئاً ليقدّمه.

يبدو أنّ أيّ تغيير في لبنان وعلى كلّ المستويات لا يتمّ إراديّاً، ولا منطقيّاً أو حسابيّاً، وإنّما "الأرض" هي التي تسبق وتفرض موازين القوى وتغيّر قواعد اللعبة والشروط.  

السابق
المشنوق يدافع عن صقر
التالي
رسالة تركية