المخرج من حوار السلاح

دخل اللبنانيون في حوار السلاح برغم عدم التكافؤ المعروف. أنشأت أحداث الشمال توازناً سياسياً لا حربياً بين الشمال والجنوب، بين «السلاح السني» و«السلاح الشيعي». كانت هذه خطة معلنة من قبل، ساعدت الأزمة السورية على بلورتها.
لأول مرة منذ سنوات يطرح جميع الفرقاء تنظيم كل السلاح ولأي جهة انتمى. كان رائجاً أن الحرب الأهلية غير واردة لأسباب عدة من بينها فائض القوة لدى طرف واحد. وكان ذلك خطأ لطالما كررنا الحديث عنه استفادة من دروس منظمة التحرير الفلسطينية والحرب اللبنانية، وهو الخطأ نفسه في تقدير الموقف السوري الحالي. فشل الحلول السياسية، تعطيل الحوار، العنف وأوهام الحسم العسكري مع حركات شعبية، هذه شروط الحرب الأهلية.

خلال أسبوع صدرت مواقف عن جميع الأطراف تدعو للحوار بحثاً عن تسوية لاحتواء الموقف. هذه علامة صحية، خاصة إذا ما اقترنت بجدول أعمال يعالج الأسباب لا النتائج. تماماً في فهم «قضية كل سلاح» ومدى شرعيتها وكيفية طمأنة أصحابها.
كل سلاح اليوم له «قضيته وشرعيته» من منظار أصحابه، بل إن المقاومة في تجربة الحرب كانت «مقاومات» متناقضة أو متكاملة وتملك «شرعية» من زاوية المصالح التي تدافع عنها. المهم الآن هو نزع المخاوف المتبادلة وبناء الثقة التي انعدمت جراء المواقف الإلغائية للآخر. الاعتراف بالآخر وهواجسه والحوار معه والتفاوض على حلول سياسية هو السبيل إلى إخماد العنف المعنوي والمادي في التعامل بين اللبنانيين. حتى البُعد الإقليمي للنزاع يمكن احتواؤه إذا تم استبعاد وضبط البُعد العسكري والأمني الذي شارف على توريط لبنان في الأزمة السورية بعد خطف المجموعة اللبنانية في سوريا. ربما ما زالت الصعوبة هنا في تطويع المشاريع الإقليمية والارتباط العضوي بينها وبين القوى اللبنانية. لكنها مسألة حسابات واقعية وعقلانية، فلا يستطيع لبنان أن يضحي بنفسه مرة أخرى لمصلحة الآخرين ولا يمكن أن يطلب إليه ذلك إذا ما أدركت الأطراف اللبنانية ضرورة الحفاظ على ذاتها في هذا الصراع الطويل. إذا بنينا الاستنتاج على الخطب والمواقف في الأزمة الأخيرة فهناك خفض لمنسوب المطالب والطموحات واستيعاب للمخاطر. هذه فرصة الحوار والحلول السياسية. لكن من حق اللبنانيين أن يبحثوا عن مخرج نهائي من دوامة النزاعات الطائفية والعنف الذي تستجرّه. لينطلق الحوار من «زعم» التمسك بالطائف والدستور، وليكن مطلوباً من جميع الفرقاء تصورٌ لتنفيذ الدستور وخارطة طريق لتطبيقه.

المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية تصبح مبادرة تاريخية إنقاذية إذا استكملها بتحديد جدول أعمال بالتالي: الدفاع عن لبنان، العلاقة مع سوريا، المسألة الديموقراطية وتطوير النظام السياسي ومعالجة الطائفية وقانون الانتخاب كإحدى الوسائل، وتصحيح المسار المالي الاقتصادي الاجتماعي للدولة. هذا سبيل الخروج من «التكاذب المشترك» وحوار السلاح.
  

السابق
آن أوان المصارحة والمصالحة
التالي
خوري: الحوار يتطلب حكومة حيادية