السنيورة: ناوَر،بادَر،حاصَر … 

على فريق الأكثرية أن يعترف بأن المعارضة نجحت في محاصرته وتطويقه. طبعاً لا يعود الفضل لها وحدها في تحقيق هذا «الإنجاز»، بل ثمة عوامل عدة تضافرت لإيصال فريق الحكومة إلى حيث وصل. أولها، ولادة التشكيلة الحكومية الحالية في ظروف أقرب ما تكون إلى الارتجال. أو في أحسن الأحوال إلى منطق الضرورة. بلا اتفاق مسبق بين أطرافها وبلا برنامج عمل ولا رؤية واحدة لخطتها المفترضة في الحكم. وفي شكل متزامن كان «الوضع السوري» آخذاً في التدهور صوب نوع من الفوضى، أو في اتجاه إفقاد دمشق أي قدرة على التأثير في بيروت، لا على صديق ولا على خصم. وبنتيجة المشهد الإقليمي الذي بات «الوضع السوري» جزءاً من صورته الشاملة، صار فريق الأكثرية الحكومية في لبنان في وضع فريق الأقلية المتحكم بأكثرية معارضة. لا وفق منطق النظام البرلماني اللبناني، بل وفق منطق «الصحوة السنية» الممتدة في المحيط، والمتطلعة إلى استكمال «الفتح»، وصولاً إلى «ثغور» بيروت والشام، تماماً كما مع أيام «الفتح» الأول. وفي هذا السياق، قد لا تكون مجرد مصادفة أن تحمل إحدى مجموعات ما يسمى «الجيش السوري الحر» اسم «كتيبة خالد بن الوليد»…

في مواجهة هذا الانقلاب الكبير في موازين القوى، اكتفى الفريق الحكومي بتقطيع المراحل وممارسة حرفة الانتظار، وسط حسابات متناقضة لمكوناته. فرئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد لا يكون متضرراً من تعديل حكومي، يخرجه من الاصطفاف الحالي ويعيده الى ضفاف «الوسطية» الحيادية أو التكنوقراطية. ولهذا قيل إنه وافق على مبادرة سرية من هذا النوع، طرحها عليه فؤاد السنيورة. قبل أن يتراجع تحت وابل الرصاص الحليف، من عين التينة إلى الرابية، وما بعد الرابية وما خلف الروابي…
رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، في مكان آخر. الحساب المنطقي حيال سلوكه يصطدم دائماً بجدار اللامعقول في تصرفاته. فالعهود الرئاسية في لبنان تعرف قاعدة ثابتة هي أن الرئيس، كيفما بدأ ولايته ينهيها في عاميها الأخيرين «مارونياً»، غير أن سليمان في مكان آخر. بعض الذين يعرفونه يؤكدون أنه يتصرف كأن لا مستقبل له في السياسة بعد بعبدا. بعض آخر يقول العكس: يتصرف كأن مستقبله بالذات في بعبدا. بعض ثالث يرفض تلك الإشارات إلى مساعي سليمان التمديدية. ويؤكد إدراكه أنه «رايح». لكنه يعتبر أن رهانه هو على علاقته الخاصة بسيد بكركي، لاستيعاب كل ما يقوم به في هذه الأثناء من «ملايح». غير أن بعضاً آخر يشيح بتركيزه عن كل تلك النظريات، ويكتفي بالتأكيد أن سليمان، منذ الدوحة، جيء به وفق عقد مفصل ومحدد وموقع. وهو لم يخرج عن أي فاصلة من فواصله…
يبقى المثلث الحليف، وهو المكون الصلب للأكثرية الحكومية. أي مثلث: بري ــ عون ــ نصر الله. مشكلته، فضلاً عن كل المشاكل السابقة الذكر، أنه يعمل من دون أي تنسيق في الأولويات. عون يركز على معركة إصلاحية، يرى فيها مدى لإخراج اللبنانيين من صراع التمذهب والتطيف ومن محاور الصدام الإقليمي. نصر الله على العكس، يرى كل المسألة الداخلية ثانوية حيال الهجمة الأميركية _ الإسرائيلية على المنطقة، مع ما تحمله من مخاطر كبرى على «القضية الكبرى». وبري بين الحليفين، مقيّد باعتباراتهما وباعتبار كونه جزءاً من الدولة، وباعتبارات تبدأ مما على أرض الشياح، ولا تنتهي عند ما تحت بحر الغاز…

وسط تلك المعمعة، شاءت الظروف أن يقف على جسر بارجة المعارضة رجل داهية هو فؤاد السنيورة. يعرف السلطة ورجالها، ويعرف أكتافهم كيف تؤكل وجيوبهم كيف تأكل. دخل ابن الحريري في حقبة سباته الثلجي. «اعتقل» سمير جعجع في «زنزانة معراب». الباقون تفاصيل، فتفرّد في قيادة المعارضة، وأبدع: ناور، وبادر، وحاصر. حتى تمكن في الأيام الأخيرة، ونتيجة الكثير من «المصادفات»، من مرسوم المليارات، إلى بهلوانيات جنبلاط، الى مولوي طرابلس، الى شيخ عكار، الى مخطوفي حلب… مصادفات أكثر مما يسمح به المنطق، جعلته يفرض معادلة واضحة على فريق الحكومة: إما أن تحكوا معنا، وإما أن يحترق البلد بين أيديكم. المعادلة نفسها يقال إن السنيورة كان قد أبلغها الى موفد نبيه بري بعد حرب تموز. يومها كانت معادلته: أحكم وحدي أو تحرقون البلد. اليوم صارت المعادلة أسهل بالنسبة إليه: لا تحكمون البلد، أو تحرقونه.

ولأن السنيورة محترف في ما يفعله، خرَّج حصاره لخصومه بلغة بالغة الإيجابية: الحل بحكومة حيادية، وحوار لنزع كل السلاح، على قاعدة الخروج من الاصطفافات. كلام حق، لا ينقصه غير كلام السنيورة نفسه من أنقرة قبل أيام عن «استيقاظ مارد» جمال باشا السفاح، وإعلان ملك العائلة السعودية في رسالة رسمية تنصيب نفسه حامياً لرعاياه من اللبنانيين. هل يدرك الفريق الحكومي ما يحصل؟ عفواً، سؤال سابق: هل من فريق حكومي؟؟  

السابق
الاخبار: الحريري يسحب يده من التفاوض مع خاطفي اللبنانيين
التالي
أسماء المخططين لاغتيال الرئيس نبيه بري !!