السلام اللبناني والعتمة الأسدية

قد تكون بيننا وبين الكارثة الوطنية العامة مسافات لا تزال حرزانة، لكن أمر طبيعي، أن تنهال راهناً التخوّفات الصادقة من الخارج على السلام اللبناني الهشّ والحليبي، خصوصاً ان التهديد المباشر، الأهم والأوضح لذلك السلام، أتى ويأتي من سلطة خارجية هي سلطة الأسد وحواشيها المحليين. وهي سلطة تُخرج كل عدّتها الأصلية الى الضوء دفعة واحدة: القتل والارهاب في الداخل السوري، والعمل على تصديرهما الى الداخل اللبناني، والتهديد بتوسيع نطاق صادراتها تلك، الى ما هو أبعد من لبنان، ان استطاعت الى ذلك سبيلاً.
تذيع سلطة الأسد بيان التخريب وتطلب ترجمته في بلدنا. وتلقى آذاناً صاغية وإرادات متلقفة، وهي أساساً ترسل بريدها بطريقة مضمونة وتعرف أنه سيصل. فالبيئة التي زرعتها في لبنان وربّتها وحمتها وأوصلتها، تضم ظواهر وحالات تربط مصيرها بمصير تلك السلطة.. وكلما شعر المركز بقرب الانهيار الأخير، اهتزت الأطراف على ذلك الوقع ودخلت في المعمعة حتى النهاية.

وما كان في ظن أحد، منذ البداية، ان سلطة الأسد لن تحرق الدنيا إن استطاعت، قبل أن يأكلها الحريق. بريء أو عبيط، من افترض ويفترض غير ذلك.. قبلها كان صدام حسين قد وصل الى المرحلة ذاتها من "الرؤى". وكنت في بغداد عشية سقوطه وأتذكر مجدداً وحرفياً ما قاله لي وزير الخارجية العراقي آنذاك ناجي صبري الحديثي رداً على سؤالي له عن "مستقبل العراق".. " وهل تعتقد أنه سيكون هناك عراق بعد صدّام حسين؟!".
.. وهل يعتقد أحد اليوم، أن التركيبة الحاكمة في دمشق تفكر وتتصرف بطريقة مختلفة؟ وهل ما يجري في سوريا على يديها سوى ترجمة ميدانية لتلك الطلاسم القتّالة والافنائية؟ وهل "رؤاها" الخاصة بالشأن اللبناني تختلف عن تلك الخاصة بالشأن السوري؟.
ستفعل تلك السلطة ما تستطيعه بلبنان واللبنانيين، وخصوصاً وتحديداً بمن وضعتهم، بحكم تركيبتها الفئوية، في صدارة العداء، على مدى سنوات وسنوات، وفعلت "كل شيء" لإحباطهم وزعزعتهم بما فيه قتل كبارهم وقادتهم ثم ملاحقتهم الى دنيا الحق!.

غير أن نقطة الضوء الوحيدة في هذه العتمة الأسدية، تكمن في أن أصحاب الحل والربط في الممانعة المحلية لا يتصرفون حتى الآن على ما يبدو، ولا يعطون إشارات تدلّ الى أنهم في وارد تحويل لبنان الى مسلخ بشري خدمة للأسد وحاشيته وتركيبته.. وعلى هذا الحجر الأساس يمكن تشييد بناء معاكس: تنفيس الاحتقان الصارخ والفظيع يبدأ بإزالة أسبابه، وأبرزها راهناً حكومة الانقلاب بقيادة نجيب ميقاتي، ثم العمل على تشكيل حكومة حيادية أو ما شابه! نقطة انطلاق لإبقاء الضوء شغّالاً، والعتمة الأسدية خارج نطاق الجغرافيا اللبنانية المنكوبة.. والله أعلم.

السابق
حبيش: ضرورة نزع السلاح الفردي
التالي
سجن 6 سنوات بتهمة التخطيط لتهريب أموال إلى حزب الله