كم تساوي إسرائيل من دون أميركا؟

«السيد رئيس المجلس: إنني أقف هنا معارضاً للقانون رقم 4133 الخاص بتعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الذي هو لسوء الطالع قطعة أخرى من تشريعات السياسة الخارجية الاحادية الجانب وذات الاثار العكسية. يبدو ان النية الفعلية لهذا القانون هي مزيد من التلويح بالسيف ضد إيران وسوريا وهو يدمر الجهود الديبلوماسية الاميركية التي توضح ان الولايات المتحدة ليست وسيطاً نزيهاً يسعى لسلام في الشرق الاوسط.
«إن القانون يدعو الولايات المتحدة الى زيادة كبيرة في كمية الاسلحة التي نزود بها اسرائيل، وهو ينص على ان تكون سياسة الولايات المتحدة مساعدة اسرائيل على الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي في المنطقة.
«وفي حين إنني أعتقد بصورة مطلقة انه ينبغي ان تكون اسرائيل ـ وأي دولة أخرى ـ حرة في تحديد ما هو ضروري لأمنها القومي، فإنني لا اعتقد ان تلك القرارات ينبغي ان يسدد نفقاتها دافعو الضرائب الاميركيون وأن تدعمها المؤسسة العسكرية الأميركية.
«إن هذا القانون يقرر أن سياسة الولايات المتحدة هي التأكيد مجدداً بالتزام الولايات المتحدة المستمر بأمن دولة اسرائيل كدولة يهودية. مع ذلك ـ وطبقاً لدستورنا فإن سياسة الولايات المتحدة ينبغي ان تكون حماية امن الولايات المتحدة وليس ضمان التركيب الديني او العرقي او الثقافي لبلد اجنبي. فالحقيقة أن دستورنا يحظر إقامة أي دين خاص في الولايات المتحدة.
«بعد اكثر من عشرين عاماً على زوال السبب في وجود حلف الاطلسي – وهو حلف وارسو ـ فإن هذا التشريع يسعى لإيجاد مهمة جديدة لهذا الحلف الذي ينطوي على مفارقة تاريخية: الدفاع عن اسرائيل. انه يدعو الى دور موسع لاسرائيل داخل منظمة معاهدة شمال الاطلسي (الناتو) بما يشمل وجوداً معززاً في مقر قيادة الناتو ومناوراته التدريبية، إنه يقرأ كما يقرأ حلم لأنصار التدخل والمجمع الصناعي العسكري. وكما سبق ان قلت مرات عديدة فإنه ينبغي ان يحل حلف الناتو لا ان يوسع.
«إن هذا القانون لن يساعد الولايات المتحدة، وهو لن يساعد إسرائيل ولن يساعد الشرق الاوسط، إنما سيعطي السلطة ضمنياً لمزيد من نزعة التدخل الاميركي في المنطقة في وقت لا نستطيع فيه ان نقدم التزامات خارجية تعهدنا بها بالفعل. إنه من الأرجح أن يفضي الى حرب ضد سوريا أو إيران او ضدهما معاً. إنني أطالب زملائي بأن يصوتوا ضد هذا القانون».

كان هذا نص البيان الذي قرأه النائب الجمهوري الاميركي دكتور رون بول، عضو مجلس النواب عن ولاية تكساس، أمام المجلس يوم التاسع من آيار/مايو الحالي. وبطبيعة الحال فإنه ليس من المعتاد أن يؤخذ نص بيان بأكمله من هذا القبيل، فضلاً عن أن يكون بداية حديث عن التطورات التي تحدث في العلاقات الاميركية الاسرائيلية في الايام الاخيرة. ولكن المأمول ان يجد القارئ في هذا النص دليلاً كافياً على ان الادارة الاميركية والكونغرس يسيران في اتجاه تشجيع اسرائيل على التوغل في سياسة استخدام المصادر العسكرية والمادية الاميركية لقهر العرب وإجبارهم على قبول ما لا يُقبل.
مع ذلك فإن بيان النائب بول لا يملك فرصة، مهما كانت ضئيلة، لوقف قانون تعزيز العلاقات العسكرية الاميركية والاطلسية مع اسرائيل. ولكن المرء يحار في الحقيقة في اختيار اي القرارات الاميركية التي تتخذ رسمياً لتعزيز قدرات اسرائيل على إجبار العرب على السكوت، بينما تتوسع اسرائيل على حساب اراضيهم ومصالحهم حيثما كانت. ففي اليوم نفسه الذي تحدث فيه النائب بول بهذا البيان اصدرت الادارة الاميركية قراراً يلغي مبدئياً تمويل النظام الدفاعي الصاروخي المسمى «القبة الحديدية» الذي كانت الولايات المتحدة تعده لإمداد اسرائيل بهذا النظام بهدف طمأنة السكان الاسرائيليين، الى وجود مظلة اميركية تحميهم ضد وابل الصواريخ الإيرانية، في حال ما اذا هاجمت اسرائيل إيران، تنفيذاً لتهديداتها التي لم تنقطع منذ اكثر من خمس سنوات.
لكن لنتوقف لحظة عند هذا القرار. أليس هذا يعني ان الولايات المتحدة عادت عن عزمها تزويد اسرائيل بالمزيد من هذه الصواريخ الدفاعية «القبة الحديدية»؟ إن من حقنا ان نتساءل عن سبب هذا القرار الذي يعد معاكساً لقرارات اميركا المتوالية لدعم تفوق اسرائيل على «أعدائها في المنطقة مجتمعين» (حل هذا التعبير أخيراً محل تعبير تفوق اسرائيل النوعي على العرب مجتمعين، وذلك لإتاحة دخول إيران تحت هذه التسمية). نتبين من هذا التطور ان الادارة الاميركية توصلت الى قرار اشد خطورة بكثير، اذ لا تعود بها حاجة لأن تزود إسرائيل بمزيد من هذه الصواريخ الدفاعية ما دامت قد قررت ان تشرك اسرائيل معها في إنتاج النظام الصاروخي الدفاعي «القبة الحديدية». يقضي القرار الاميركي الجديد بتحويل هذا النظام الى مشروع إنتاجي مشترك مع إسرائيل فلا تعود اسرائيل مضطرة الى شراء هذه الصواريخ من الولايات المتحدة.
والامر الذي لا شك فيه ان هذا التطور في طريقة تفكير الولايات المتحدة يضمن لإسرائيل ان تمتلك اي عدد من صواريخ «القبة الحديدية» يكفيها لتغطية كامل وجودها الجغرافي من حدودها مع سيناء المصرية الى حدودها مع غزة الفلسطينية الى حدودها مع جنوب لبنان. ويعد هذا التطور قفزة نوعية في طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل في مجال التكنولوجيا العسكرية المتقدمة. وهو تطور تتحمل الولايات المتحدة تكاليفه كاملة ابتداءً من الأبحاث الأولية الى آخر خطوات الإنتاج.
مع ذلك فإن ثمة جانباً اخطر في هذا التطور الذي يمكّن اسرائيل من المشاركة في انتاج هذه الصواريخ. فسيكون من المحتم ان تشتري الدول العربية التي تعتمد في تسليحها على منتجات اميركا هذه الصواريخ الاميركية الاسرائيلية. بمعنى اوضح فإن المملكة العربية السعودية وقطر والامارات العربية المتحدة وربما مصر وليبيا واليمن وتونس، ستجد نفسها مضطرة الى شراء هذا المنتج العسكري المشترك، وتكون بذلك قد تسلحت بصواريخ إسرائيلية الصنع كما انها اميركية الصنع بالقدر نفسه. وتكون هذه الدول العربية قد ساهمت في دعم صناعة الاسلحة الاسرائيلية من حيث لا تدري، او ربما من حيث تدري (…)
من ناحية اخرى فإن من المؤكد ان تعتمد الولايات المتحدة على هذا النظام الصاروخي المشترك في توفير الدفاع عن قواعدها العسكرية المنتشرة في بلدان عربية او على تخومها. وقد ذكر تقرير صادر عن «المنظمة اليهودية للأمن القومي «(جينسا) ـ الجناح العسكري للوبي الصهيوني الاميركي ـ إن الشركة الاسرائيلية التي حصلت على حق انتاج الصواريخ الاميركية واسمها شركة «رافائيل» وقعت على اتفاق مع الشركة الاميركية المنتجة «رايثون» يسمح للشركة الاسرائيلية بأن تسوق صواريخ «القبة الحديدية» في انحاء العالم. وتصف منظمة «جينسا» توقيع «اتفاق الاستثمار المشترك الواسع النطاق والطويل الأجل مع اسرائيل للصواريخ الدفاعية» بأنه «تبادل كاسح تساعد به واشنطن على إنقاذ أرواح الاسرائيليين وخفض مسببات الصداع لها في الامم المتحدة». وتضيف المنظمة الصهيونية نفسها «ان اسرائيل قد تحولت من مستهلك الى منتج للانظمة الدفاعية. ان التجديدات الاسرائيلية من تكنولوجيات متطورة الى دروس عملياتية اثبتت انها مفيدة بصورة هائلة للولايات المتحدة، سواء في حقبة الحرب الباردة او في محاربة المنظمات الثورية ومحاربة الارهاب… ان واشنطن ستؤكد بهذا التزامها الطويل الأجل بأمن إسرائيل بينما تستخدم اسرائيل خبرتها في جعل اميركا أكثر أمناً بالمثل».
مع ذلك فإن النخب الحاكمة في السعودية والكويت والبحرين وقطر والامارات العربية المتحدة اجتمعت في الرياض يوم الاثنين الماضي ـ في اجتماع غير عادي لمجلس التعاون الخليجي الذي يجتمع عادة في شهر كانون الاول/ديسمبر من كل عام ـ صُوِّر على انه لبحث قيام اتحاد بين السعودية وقطر، بينما كان الهدف الحقيقي هو التشاور بشأن ما يجري في سوريا. وهو تعبير مهذب بديل للبحث في امكانية التدخل في سوريا، ولمناقشة الوضع في سوريا الذي يشكل تطوراً إقليمياً مهماً في العالم العربي». وأضافت صحيفة «آراب نيوز» السعودية الناطقة باللغة الانكليزية الى الشأن السوري على جدول اعمال الاجتماع الاستشاري لمجلس التعاون الخليجي أن مسألة العلاقات المتوترة مع إيران ستكون ايضاً في موقع متقدم على هذا الجدول. وهذا بدوره تعبير مهذب للغاية يحل محل عبارة بحث احتمالات الحرب على إيران.. اي بحث الدور الذي يمكن ان تلعبه دول الخليج اذا هاجمت إسرائيل إيران بهدف «إزالة خطرها النووي في المنطقة». ويعد هذا استمراراً لتأكيد مخاوف هذه الدول الخليجية من إيران.
إيران هي الخطر وليس من خطر من الجانب الاسرائيلي.
فاذا لم تكن اسرائيل تشكل خطراً فإن تطورات العلاقات العسكرية بينها وبين الولايات المتحدة لا يمكن بالتالي أن تشكل خطراً على النخب الحاكمة الخليجية. وما عدا ذلك من تطورات في التعاون في مجالات التكنولوجيا العسكرية بينهما لا يمكن ان تطرح كمصدر للخطر على النظم الحاكمة في الخليج.
هل نتوقع ان يتخذ حكام الخليج في هذا الاجتماع قرارات سرية بالموافقة على شراء المنتج العسكري المشترك الأميركي الإسرائيلي على سبيل التشجيع للدولتين المنتجتين وتحت ذريعة حاجة الدويلات الخليجية الى صواريخ دفاعية من نظام «القبة الحديدية»؟
إن الكشف عن هذا السر لن يكون بأي حال دور الحكام الخليجيين انما سيكون دور الإعلام الاسرائيلي بالدرجة الأولى، ويأتي بعده دور الإعلام الاميركي الذي يعارض هيمنة إسرائيل على صانعي القرار الاميركيين. من هذه المصادر سنعرف قريباً إذا كان حكام الخليج قد قرروا دفع ملايين او مليارات الدولارات لشراء نظام الصواريخ الدفاعية الذي تنتجه اميركا بالاشتراك مع اسرائيل لدعم دفاعاتهم ضد الخطر الإيراني. ومن هذه المصادر سنتبين المسافة التي قطعتها علاقات هؤلاء الحكام مع اسرائيل عبر العلاقات مع الولايات المتحدة وعبر الإنتاجات المشتركة الأميركية الإسرائيلية.
وهذا هو المسعى الاميركي المتواصل والضاغط الذي لا تستطيع اسرائيل ان تحققه اذا اقدمت عليه بمفردها. ان اسرائيل لا تساوي شيئاً بدون اميركا، وهذه حجة قوية بما فيه الكفاية لاقتراب حكام الخليج الى اسرائيل عبر اميركا.

السابق
كهرباء بنت جبيل تسرق في عتمتها
التالي
نهاية الامن الشخصي