بيروت اللقاء..

افت في الشكل تزامن زيارة مسؤول أميركي رفيع المستوى لبيروت مع زيارة مسؤول إيراني، بحيث يبدو الأمر تعبيراً عن مُعطى يفيد لبنان في نهاية المطاف باعتبار التلاقي على أرضه يعني أنّ هذه الأرض صارت مرتاحة ولم تعد ساحة، رغم "جهود" الانقلابيين ومشاريعهم لإبقائها كذلك!
… دارت الدنيا دورة كاملة، وتغيّرت حال الجغرافيا السياسية.. أحوال دمشق ما عادت تسمح لنظامها بلعب دورين فوق مسرح واحد: يطلب رضى الأميركيين والغربيين ويقدم مستلزمات ذلك الطلب في لبنان وفلسطين والعراق والإرهاب، ويشبك في الوقت ذاته، حلفاً مع النظام الإيراني هو الأمتن من نوعه في كل تاريخه.. يمارس في العلاقات السياسية والديبلوماسية ازدواجية سرت لسنوات طويلة خلال مرحلة التفاوض مع الإسرائيليين: يحكي معهم في واشنطن وأوروبا واسطنبول ويقاتلهم بالواسطة في جنوب لبنان!..

لعبة برع فيها الطقم الدمشقي الحاكم، حتى حوَّل نظامه إلى محطّة لا بد منها لكل المتنافرين والمتخاصمين والمتقاتلين في المنطقة، بل إلى "ضرورة" في شؤون مصيرية وكبيرة، ونقطة لقاء، روّادها أكبر من قدرته على استيعابهم، وقضاياهم أعقد من سلاسته التجارية والتوليفية!
ومع ذلك، فإنّ ربّ العالمين وحده، يعلم تماماً سرّ تركيبة تلك الطبخة التي كانت تجعل الطبّاخ الأسدي يقدّمها هي ذاتها، إلى الإيراني والأميركي، والإسرائيلي والعربي، والروسي والتركي وغيرهم، وتكون النتيجة، أنّ الجميع يخرج من الوليمة برضى تام عن النفس والمضيف في الوقت نفسه!
تغيّرت الحال.. المطبخ احترق. ولعبة البيع والشراء بارت. وهواية تجميع الأوراق وجمع المتناقضات لم تعد صالحة للممارسة في طقس حار وملتهب: تبخّرت الأوراق في فرن الممارسات السلطوية الفتّاكة. وزوّار الليل الأجانب الباحثون عن خدمات مضادّة للإرهاب، وعن دواعي إبقاء التهديد بعيداً عن إسرائيل، وعن قنوات تواصل تخفّف وطأة القطع والاشتباك في مناطق التوتّر والحرب من العراق إلى افغانستان، صاروا يفضّلون البقاء في دفء أسرّتهم، أو تفضيل الذهاب إلى اماكن أخرى، ومحطات أهدأ لممارسة وظائفهم.

.. كان زمن ومضى. صادر خلاله النظام الأسدي قرارات الآخرين وقدراتهم وإمكاناتهم وساحاتهم، وخاض في سبيل ذلك حروباً مريرة وطويلة النَفَسْ، ولم يكن يزعجه أكثر من شعار القرار الوطني المستقلّ.. كان يسوِّق الطبيعي باعتباره نشازاً: ياسر عرفات خائن، ورفيق الحريري مرتبط، والسياديون اللبنانيون عملاء، والملك الأردني متآمر.. الخ. لكن ودفعة واحدة ومن دون فواصل وموانع ووقفات وقواطع، هرّ ذلك البنيان ويهرّ فوق اصحابه!
لم يعد زائر بيروت يحتاج إلى زيارة مماثلة للحاكم الدمشقي. بل لم يعد زائر بيروت أيّاً كانت هويته وسياساته ومشاريعه، يشعر بأي حاجة مهما تواضعت، لأخذ رأي ذلك الحاكم، قبل أو بعد أخذ رأي اللبنانيين في أي شأن وقضية.. وإذا كان ذلك المُعطى يسري طبيعياً (وحُكماً) على الأميركي، فإنّ الغريب هو أنّه يسري أيضاً على الإيراني، الجامح والباحث دوماً عن مصالحه حتى لو تعارضت مع مصالح حلفائه وأصدقائه وخلاّنه! وحتى لو بدا وكأنّه يسعى بجهد ودأب إلى حصد ورثة وتركة حليفه الأبرز!
.. قبل فترة التقى الإيرانيون والأميركيون في اسطنبول. وبعد فترة سيلتقون في بغداد. هل صدفة بيروت صدفة، أم تسابق على النفوذ، أم ماذا؟

السابق
توتر بين الجيش المصري والإسلاميين يفجر مجزرة في العباسية !!
التالي
ما هي الخطة الأميركية الجديدة في سورية.. واين دور لبنان ؟!