الإنتصارعلى الأوهام في زمن الثورات

لقد انتصرت الثورات العربية على عدّة أوهام، وبقي عليها وعلينا امتلاك الشجاعة لتجاوز عدّة أوهام أخرى. أوّل الأوهام التي تغلب عليها شبان حركات التغيير، وهْم مناعة أنظمة التسلط العربية، بسبب ترتيب علاقاتها مع جهاز الهيمنة الدولي، أي الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في منطقتنا: إسرائيل وتركيا. فقد سارعت الولايات المتحدة – رغم الشكوك الإسرائيلية – للتخلي عن حليفها الرئيس حسني مبارك، إدراكاً منها أن دعمه ما عاد ممكناً أو يصيبها ما أصابها عندما لم تتخل بسرعة عن نظام الشاه في أواخر السبعينات من القرن الماضي. وثاني تلك الأوهام عدم القدرة على النجاح للانحشار بين أنظمة الاستبداد ذات الأجهزة الأمنية القوية من جهة، والإسلاميين المتشددين من جهة ثانية. فقد فتح الشبان المدنيون مساحة ثالثة بالغة الاتساع هي مساحة الجمهور والشارع، وأرغم الجميع على الانكفاء أو المشاركة بشروط الشبان المسلمين وديمقراطية صناديق الاقتراع والانتخابات الحرة. وثالث تلك الأوهام أن سقوط الرئيس يعني قيام النظام الجديد. فقد تبين أنه لا بدّ من السير باتجاه تكوين المجتمع السياسي من جديد، وهي عملية معقدة وطويلة المدى، وتحتاج إلى شروط أخرى وظروف إلى جانب الشروط والظروف التي توافرت حتى اليوم.

وتبقى أوهام هي بالأحرى تحديات، وبعضها يتصل بالوعي، كما يتصل بعضها الآخر بآثار المرحلة المقبضة الماضية. والتحدي الأوّل هو نظام الهيمنة السابق وآثاره. فموقف الولايات المتحدة (وروسيا والصين) من الثورة السورية، اختلف عن موقفها من الثوات الأخرى، لأن إسرائيل لا تريد نظاماً جديداً في سوريا، بعد تجربتها القصيرة ولكن السلبية مع الحراك الشعبي المصري، ثم إن دخول روسيا والصين على الخط، دفع الاميركيين والأوروبيين لمحاولة إقامة شراكة الحد الأدنى مع أعضاء في مجلس الأمن، يحتاجونهم في أمور أخرى بالمنطقة. والتحدي الثاني هو تحدي تحالف الأقليات الذي كان النظام السوري عماده، وصار النظام الإيراني هو العماد في السنتين الأخيرتين، وفي العراق وسوريا ولبنان. ولذا فقد اقترن في دعايات النظام السوري ادعاء المؤامرة على نظام الممانعة، بالتخويف من الحرب الأهلية، ومن اضطهاد الأقليات،

التي صار من الطريف والظريف أن نظام ولاية الفقيه المضطهد للجميع بالداخل الإيراني، هو الذي يتصدى لحماية الاقليات الإسلامية وغير الإسلامية من الأكثريات الشعبية أو الثورية أو الأصولية… إلخ. والتحدي الثالث هو تحدث الأحزاب السياسية – الدينية التي دخلت على الحراك المدني بعد انتصاره، وحاولت العودة لتقسيم الساحة الى إسلاميين وغير إسلاميين، واضعة الشبان المدنيين في موضع الأنظمة الساقطة على أيدي أولئك الشبان بالذات. وهذا امر خطر وخطير، لأنه يتصل بالمرحلة السابقة من جهة، كما يتصل بالوعد الشديدالمتوارى و التقلب في ظروف الثورات، من جهة ثانية!.

هناك اليوم إذاً أوهام كانت سائدة فزالت بفضل شجاعة الشبان، وأخرى قاومت الزوال فتحولت إلى تحديات يكون علينا جميعاً مواجهتها بدون تردّد من أجل الحاضر والمستقبل.

السابق
مقعد نيابي درزي
التالي
قانون جديد لمنع التدخين