ماذا وراء التوتر الخليجي_الإيراني؟

الحدث السوري الساخن لا يحجب أجواء التوتر المتصاعد بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران بسبب ملف الجزر الثلاث، والمخاطر المحدقة بمنطقة الخليج العربي، بسبب استمرار المواجهة الغربية مع طهران حول الملف النووي الإيراني.
النزاع بين دولة الإمارات وإيران حول الجزر الثلاث (أبو موسى، طنب الكبرى، وطنب الصغرى) يعود إلى أيام عهد الشاه الذي دفع بقواته لاحتلال الجزر عشية إعلان دولة الاتحاد بين «الإمارات السبع المتصالحة»، والتي لم تكن بعد قد أسست قواتها المسلحة، على النحو المعروف حالياً، من تسليح وتجهيز وتدريب، فضلاً عن الاتفاقيات الدفاعية المعقودة بين الإمارات ودولة أطلسية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا.
وتغلبت حكمة مؤسس الدولة ورئيسها يومذاك الشيخ زايد بن سلطان بمواجهة تداعيات الاحتلال الإيراني المفاجئ للجزر الثلاث، واختار المفاوضات منهجاً لمعالجة المشكلة المستجدة مع الجار الإيراني، مفضلاً خيار الدبلوماسية على ما عداه من خيارات أخرى، بما في ذلك خيار تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، والاستعانة بقوات عربية أو دولية لاستعادة السيادة على الجزر الإماراتية وإخراج القوات الإيرانية منها.

وبقيت الأزمة عالقة بين الإمارات العربية وجارتها الإيرانية، حتى في عهد الجمهورية الإسلامية، حيث تمسك الملالي باحتلال الجزر، على اعتبار أنها «أراض إيرانية»، فيما اقتصر التصدّي الإماراتي على المحافل الدبلوماسية، وتحوّل مسألة احتلال الجزر إلى بند دائم في بيانات القمة العربية على امتداد العقود الأربعة الماضية، من دون أن يُغيّر ذلك من الأمر الواقع شيئاً.
كان يمكن لهذه المسألة الحسّاسة أن تستمر على برودتها الدبلوماسية، لولا الإجراءات الإيرانية الأخيرة، التي أدت إلى توتير الأجواء بين إيران والدول الخليجية التي أوجست خيفة بخطوات طهران الأخيرة، التي بدأت بالزيارة غير المسبوقة التي قام بها الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى جزيرة أبو موسى، ثم تطورت إلى زيادة حجم القوات العسكرية المرابطة في «أبو موسى» والجزيرتين الأخريين… وأخيراً إلى نصب منصات صاروخية وبطاريات مدفعية بعيدة المدى، وصواريخ أرض – جو على أراضي الجزر الثلاث.
لم تتأخر ردة فعل دولة الإمارات، ومعها دول مجلس التعاون، التي سارعت الى عقد اجتماعات طارئة لتؤكد تمسكها بالوقوف الى جانب الإمارات في التصدّي لـ «الاستفزازات الإيرانية الأخيرة»، الأمر الذي أثبت مرّة أخرى أن العلاقات الإيرانية – الخليجية ليست على ما يرام، رغم كل الجهود التي بذلتها أكثر من دولة في المنطقة للحفاظ على علاقة الود وحسن الجوار مع الجار الإيراني الجامح لبسط نفوذه على أوسع رقعة سياسية في المنطقة، حتى يستطيع ان يلعب الدور الإقليمي الأكثر تأثيراً في ملفات الشرق الأوسط!.

أدى التصعيد الإيراني المباغت في ملف الجزر إلى طرح جملة من التساؤلات، لعل أبرزها:
 لماذا اختار الرئيس الإيراني هذا التوقيت بالذات للقيام بزيارته المثيرة للشكوك إلى جزيرة «أبو موسى»؟.
 هل تحاول طهران أن تردّ على العقوبات الأميركية والأوروبية المتزايدة في المنطقة التي تؤمن الإمدادات النفطية للمجموعة الأطلسية؟.
 ما هي علاقة التصعيد الإيراني الأخير بتزايد حدة المواجهات الدموية اليومية في سوريا بين النظام المدعوم من طهران، والمعارضة المدعومة من دول خليجية وعربية وغربية عديدة؟.
زيارة نجاد إلى «أبو موسى» لا تحتمل الاختلاف في التحليل والاستنتاج والتفسير، فهي رسالة تحذير، بل وتهديد ليس إلى الإمارات ودول الخليج العربي وحسب، بل إلى المجموعة الأطلسية بكاملها، وذلك عشية انعقاد جولة المفاوضات في اسطنبول مطلع هذا الشهر حول الملف النووي الإيراني.
وليس بعيداً عن هذا التحليل، محاولة البعض الربط بين التصعيد الإيراني ضد دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تتعرض لحملة إعلامية إيرانية ممنهجة، إلى جانب مخططات التحريض وإثارة النعرات في بعض المناطق السعودية، وبين ما يجري في سوريا من تطورات ومواجهات تُهدّد الحليف الاستراتيجي لإيران في المنطقة.
ومن غير المستبعد أن تستمر طهران بممارسة المزيد من الضغوط ضد دول مجلس التعاون تهويلاً وتحريضاً في الداخل، كلما اشتد الضغط على دمشق لوقف العنف في المدن السورية.

غير أن ما يُحيّر الكثير من المراقبين أن خطط التصدّي العربي للمخططات الإيرانية في المنطقة، ما زالت أسيرة التردد حيناً، وتفتقد إلى توفير التضامن المنشود أحياناً كثيرة، الأمر الذي أتاح للاعب الإيراني أن يصول ويجول على الأراضي العربية، متذرعاً في الدفاع عن القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، ومتدخلاً تحت شعارات دعم المقاومات العربية ضد العدو الصهيوني!.
ورغم قرارات العقوبات الدولية، وإجراءات فرض الحصار الاقتصادي والمالي على إيران، ما زالت طهران تجهد في تأمين التمويل اللازم لإنتاج أحدث الأسلحة الصاروخية، والقيام بأكبر المناورات العسكرية، وتوفير الدعم اللازم لحلفائها في المنطقة العربية، وعلى امتداد مشارق الأرض ومغاربها.
في حين أن خطط المواجهة العربية تفتقد لأبسط قواعد التنسيق بالنسبة للتسليح أو التجهيز والتدريب، فضلاً عن غياب الخطط المتكاملة لتأمين الدعم اللازم للحلفاء والأصدقاء.

التحرّك الإيراني قد يعتبره البعض مجرّد مناورة… ولكن من الخطأ الاكتفاء بحرب النظارات والوقوف عند خط المناورة، فالمسألة أكثر خطورة، وأشد تعقيداً، خاصة وأن الرسائل الإيرانية الأخيرة مرتبطة بما يجري في سوريا، وهي قطعاً ليست بمعزل عمّا يجري في المساومات العلنية والسرية حول الملف النووي!.

السابق
الحلول السحريّة كارثية
التالي
أنان بعد فوات الأوان