خريطة طريق لامرأة تستطيع التغيير

صحيح أن ورشة العمل التي نظمتها «لجنة حقوق المرأة»، أمس الأول في بيروت، حملت عنوان «المرأة تستطيع التغيير»، في مقاربة تفاؤلية في الظاهر، إلاّ أن مضامين أوراق العمل التي قدمت أظهرت حجم العوائق التي يصطدم بها التغيير، وبالتحديد ما يمكن أن تصنعه المرأة.
فبعض قوانين الانتخاب، ووفقاً لما عرضته الدكتورة ماري ناصيف الدبس، اعتبرت المرأة «مواطنة سلبية» حتى في الغرب، وكان على النساء أن ينتظرن النصف الثاني من القرن العشرين للحصول على حق الترشح والانتخاب في بعض البلدان. وفي لبنان، وفق الدبس، وبما أن قوانين الانتخاب اللبناني، ومنها قانون الستين الذي استحضر قبل أربع سنوات، ومطروح اليوم أيضاً، «يستند إلى المحاصصة الطائفية والنظام السياسي المرتكز عليها، في ظل موقع ثانوي أو دوني للمرأة». وعليه، استنتجت الدبس أنه «لا يمكن لأي طائفة أن تقبل امرأة لتمثيلها في السلطتين التشريعية والتنفيذية، حتى وإن كانت القوانين لا تقول صراحة بذلك».

استعرضت الدبس ما تقوله الاتفاقات والقوانين الدولية في ترسيخ المشاركة النسائية في القرار السياسي. عرضت المشروع الإصلاحي لقانون الانتخاب الذي طرحه «اللقاء الوطني للقضاء على التمييز ضد المرأة». ويعتمد المشروع على إقرار قانون انتخابي خارج المحاصصة الطائفية، واعتماد النسبية في التمثيل على قاعدة لبنان دائرة انتخابية واحدة، وتبني «الكوتا» النسائية بنسبة ثلاثين في المئة، كمقدمة باتجاه المناصفة، وخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة.
ومن الانتخابات إلى قوانين العمل، وعلى رغم أن الوزير السابق الدكتور شربل نحاس استحضر دور الشهيدة المناضلة النقابية وردة إبراهيم في إقرار قانون العمل في العام 1946 في لبنان، إلاّ انه وضع إصبعه على «جرح» استبعاد المرأة من القانون نفسه في مواضع عدة. وتوقف عند عدم شمول أحكام قانون العمل فئات العاملين في الخدمة المنزلية، والعمال الزراعيين والموظفين والأجراء في المؤسسات العائلية، وهؤلاء (أي المستثنون) هم في غالبيتهم العظمى من النساء. لكن نحاس رأى أن «القوانين ليست كل شيء، فمع مخالفة القوانين، كما يحصل في لبنان سواء بمراسيم او بقرارات، تصبح الممارسة أحيانا أهم من القوانين». ودعم نحاس نظريته بالحديث عن «اختلال ميزان القوى في معظم الحالات، ما يطيح بما يوفره القانون من إمكان المراجعة فعلياً وليس نظرياً «وعليه يصبح القانون «بلا معنى».

استعرض نحاس «قوانين العمل والضمان الاجتماعي»، والنسب المتدنية للنساء في سوق العمل (25 في المئة من بينها العاملات الأجنبيات في المنازل)، ليتحدث عن مفهوم السلعة وربطها بتجديد قوة العمل، أي الإنجاب الذي تقوم به المرأة. وحدد قطاعات التعليم والإدارة العامة غير العسكرية وبعض الخدمات المالية كنقاط ارتكاز لعمل المرأة الأجيرة في لبنان.
وعبر رؤية لتعليم المرأة بالمفهوم الاجتماعي والقيمي والاقتصادي، انتهى إلى دعوة الجميع إلى «أخذ خيار مجتمعي كامل، وإلى إيجاد صيغ للتعاون تقوم على فتح الساحات على العمل السياسي الهادف إلى خلخلة هذا النظام المتماسك القائم على تهميش وضرب دور الدولة ودعس المواطن كفرد وإنسان».
وسأل القاضي جون القزي، في الجلسة الثانية التي خصصت لـ«ثقافة حقوق المرأة في المجتمع»، عمن «يمكنه التغيير غير المرأة؟»، معتبراً أن «هناك رجالاً كباراً وناجحين لأن من ربتهم هي سيدة».
وبعدما استعرض القزي حكم الجنسية الذي منحه لسميرة سويدان وتداعياته، رأى انه آن الأوان للتعامل مع قانون الجنسية في لبنان، والمعمول به منذ العام 1925، بأنه فقد صلاحيته، خصوصاً أن المادة 14 منه تقول: «على السكرتير العام وحاكم لبنان الكبير أن يطبق هذا النص».
وعرض الرئيس القزي لتمييز القانون بين المرأتين اللبنانية والأجنبية لمصلحة الأخيرة، توقف عند واجب القاضي في إنصاف الإنسان وفي ضرورة استعمال النص وحقه في الاجتهاد في خدمة العدالة. ورأى انه على المجتمع التحرك بالرغم من الثمن الكبير الذي يمكن دفعه.

واعتبرت الباحثة عزة الحر مروة في ورقتها عن «المرأة والأحوال الشخصية» أن «المرأة اللبنانية كانت العنصر الأكثر تأذياً في قوانين الأحوال الشخصية المعتمدة من مختلف الطوائف».
وعرجت مروة على تأثير الأحوال الشخصية الطائفية المعتمدة في التشريعات. وبعدما عرضت للعوائق، رأت أن الحل يكون في استحداث قانون مدني للأحوال الشخصية، يعيد للدولة صلاحيات صادرتها الطوائف، ويكرس المواطنة الجامعة بين اللبنانيين، ويرفض أي شكل من أشكال التمييز بين الجنسين، ويؤمن مشاركة المرأة في كل المجالات، ويؤكد سيادة حكم القانون، ويشكل مدخلاً ضرورياً لقيام مجتمع موحد بقانون موحد، ويحترم الحرية الشخصية للأفراد.
وبعدما عرضت امينة الشؤون التربوية في «رابطة التعليم الثانوي الرسمي» بهية بعلبكي للنسب المتقاربة بين تعليم الإناث والذكور، أشارت إلى أن نسبة الإناث تصل إلى 50,25 في المئة في التعليم ما قبل الجامعي وإلى 53,19 في المئة في التعليم العالي، وإلى 48,26 في المئة في المهني والتقني.

وتوقفت بعلبكي عند تكريس بعض الكتب المدرسية الرسمية لمفاهيم تقليدية حول الصورة النمطية للمرأة، وتوزيع أدوار العمل بينها وبين الرجل، وأشارت إلى دور الرابطة في تعديل أهداف المناهج التربوية بما يعزز ثقافة حقوق المرأة في المجتمع.
وعرضت بعلبكي لنسب تواجد المرأة في العمل النقابي وقيادته العليا، لتقول ان «تأنيث التعليم لم يؤد إلى تمثيل أوسع للمرأة في القيادات العليا».
وفي فترة بعد الظهر، شرح معد مشروع «المرأة تستطيع التغيير»، الدكتور سمير دياب أهداف المشروع، وخطواته العملية ومحاوره وتقسيم العمل زمنياً ومناطقياً، بالإضافة إلى العوائق أمام تطبيقه والنتائج المتوقعة لدى الانتهاء منه.
بعد ذلك توزع المشاركون والمشاركات على مجموعات عمل. واشارت مسؤولة العلاقات الخارجية في «لجنة حقوق المرأة» ليندا مطر إلى هيكلية خطة المشروع، وإلى دور اللجنة في العمل لتعزيز ثقافة حقوق المرأة اللبنانية وإيجاد آليات عمل تعاونية من شأنها توحيد الجهود للنضال من اجل تعديل القوانين التمييزية اللاحقة بالمراة اللبنانية وإصلاحها، وتعزيز مسيرة التغيير الديموقراطي.

السابق
مهدي حسن: الاسرائيليون لا يريدون الحرب
التالي
أمّ المعارك اليوم في زحلة