في صور يلوح مشهد موت الإمام الصدر

أثار التفجير الأخير لأحد مطاعم مدينة صور العريقة هاجس عدم قبول التنوع والتعدد في لبنان. وتفجير المطعم الذي يقدم مشروبات كحولية ليس الأول، ان في صور أو غيرها، قبل ذلك كانت حوادث منع أو تفجير وقعت في النبطية قبل أشهر، وفي شرق صيدا أيضاً.
قد تكون الأضرار البشرية ضئيلة، اذ اقتصرت على جروح طفيفة، والخسائر المادية يمكن ان تعوض، وإن بصعوبة، لكن الخسائر على الصعيد الإنساني والوطني والسياحي أكثر من ان تحصى.
مهرجانات صور فاشلة الى حد بعيد، لا لبعد المسافة من العاصمة، بل لتجنب الناس الذهاب ليلاً الى المدينة الجنوبية، والأمر عينه ينطبق على محاولات احياء مهرجانات في صيدا. أما بعلبك فحدّث ولا حرج، تكاد تصير "أهلية بمحلية"، اذ يمتنع فنانون كبار عن التوجه الى مدينة الشمس بحجة الوجود المسلح لـ"حزب الله".
صار ضيوف مهرجانات بعلبك درجة ثانية وثالثة، وضيوف صور درجة عاشرة، وأيضاً صيدا وطرابلس. أما مهرجانات بيت الدين، وجبيل الأكثر حداثة، والبترون الحديثة النعمة، فتحقق نجاحات، بل تقدماً ملحوظاً، سنة بعد أخرى.
هل لهذا الكلام منطلق ديني أو مذهبي أصولي؟ ربما يترجمه البعض كذلك، ولكنها ليست الحقيقة. الحقيقة لا تتعلق بالدين وأصوله، بل بعلاقة الإنسان بالآخر، وفهم معنى السياحة التي تقوم على خدمات متعددة من دون محاولة فرض ثقافة على أخرى.

قبل عامين، قصدنا صور لحضور حفل مارسيل خليفة. كان الحفل رائعاً، لكن خليفة تنبّه وهو يغني الى ان صوت المؤذن قد ارتفع، فصمت، مبرراً ذلك بالخوف من قضية تثار في وجهه، كتلك التي اتهمته سابقاً بتحقير الدين والأنبياء عندما غنى "أنا يوسف يا أبي"، علماً ان مارسيل لا يستجيب لصوت مؤذن ولا لجرس كنيسة.
مرد كل هذا الكلام ليس الى عدم احترام الأديان وناسها، لكن من الضروري أيضاً ان يحترم المتدينون الآخر، في مأكله ومشربه، وفي شربه الكحول وتدخين السجائر وما اليها، فلا يقفل مطعم لأنه قدم أنواعاً معينة من المأكولات والمشروبات.
ان تفجير مطعم في صور لا يؤثر على شارب الكحول في منزله في تلك المدينة التي أرسى أسس انفتاحها الإمام موسى الصدر، ولا على شاربي الكحول في قرى ومدن قريبة أو بعيدة، بل على العكس، فإنه يحضّ آخرين على تناول الكحول "نكاية فيهم". والأهم انه "يطفّش" السياح الذين قد يقصدون المدينة من وقت الى آخر، ويجعل عناصر قوة الأمم المتحدة، الشريان الحيوي اقتصادياً للمدينة ومحيطها، ينكفئون الى ثكناتهم، أو الى اسرائيل، بدل ان يقصدوا مطاعم المدينة وفنادقها، فتدب فيها الحركة، وينمو الإقتصاد ليحد من النزوح الى العاصمة.

ليست القضية قضية كحول، فالمخدرات والكحول تغزو الضاحية الجنوبية وأماكن أخرى، لكن المهم هو في عدم قبول التنوع والتعدد في لبنان الواحد، والتعبير عن هذا الرفض بالعنف، مما يدفع بالبلاد للتحول الى أحادية الفكر والثقافة. وهذا هو الجانب الأخطر، اذ ان الإنتصارات الوهمية التي يقودها غير فريق كل في منطقته، للسيطرة ووضع اليد، ستقود حتماً الى مجتمع "متجانس" بايخ، منغلق، ومتعصب، يسهل انقياده، الى الهاوية.
في صور يلوح لي مشهد موت الإمام الصدر.

السابق
نتنياهو يؤيد قيام دولة فلسطينية مترابطة وبيريس ينتقد المقارنة بين المحرقة وإيران
التالي
الممثلان في مواجهة الرقابة