هل أخطأ سامي الجميّل؟

لقد أخطأ في الشكل، إنما أصاب في المضمون، ولكن مبدئية الموقف، على أهميتها، لا تبرّر، ربما، خروج التمايز عن حدود الموقف إلى الترجمة العملية.

من أبرز مؤشرات ما حصل في ختام جلسات المناقشة العامة، عندما أصرّ النائب سامي الجميل على طرح الثقة، هو غياب التنسيق بين كتلة نواب 14 آذار والحالة غير الصحية تنظيمياً التي تسود داخل الحركة الاستقلالية. فالرأي العام لم يسمع أو يقرأ، على سبيل المثال، أن قيادة 14 آذار أو نوابها اجتمعوا عشية هذه الجلسات من أجل تنسيق المواقف وتوزيع الأدوار والاتفاق على طرح الثقة أو عدمه والأسباب الموجبة لهذه الحالة أو تلك.

ومن ثم طالما أن الاعتبارات السياسية للثلاثي ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط ما زالت تبدي الاستمرار في الحكومة تحت سقف "حزب الله"، فهذا يعني أن "الستاتيكو" القائم مرشح للاستمرار، وليس هناك من داع لتحميل الجميّل ما لا يتحمله لجهة "تجديده شباب الحكومة"، لأن هذه الثقة قائمة ومضمونة بطرح الثقة ومن دونها. ومن هنا كانت قوى 14 آذار أمام خيار من اثنين: إمّا مقاطعة الجلسة، ولا يبدو أنها كانت في هذا الوارد ربطاً بقرارها القاضي بالمواجهة ضمن قواعد اللعبة الديموقراطية حتى ولو أن تشكيل الحكومة تم بطريقة انقلابية، وإمّا طرح الثقة والخروج من البرلمان تعبيرا عن رفضها تشريع وضع هذه الحكومة. وأي خيار خارج هذين الخيارين هو في غير محله، إذ لا يجوز أن تكتفي 14 بالمناقشة للمناقشة ولو أنها نجحت في تهشيم الحكومة بحضورها وإظهار عجزها وفشلها. فطرح الثقة لا يخدم الحكومة بخلاف ما تم تصويره، إنما يعبر عن مدى انسجام الحركة الاستقلالية مع نفسها وتمسكها بالموقف نفسه الذي اتخذته عندما مثلت هذه الحكومة أمام البرلمان لنيل الثقة، لا بل انّ هذه الخطوة أربكت الفريق الآخر الذي اضطر أقطابه مرغمين وملزمين إلى قطع إجازاتهم والالتحاق بالجلسة. ولا يمكن تفسير موقف المعترضين على مبادرة الجميّل إلّا من باب حشرها للنائب وليد جنبلاط، فيما المطلوب ترييحه وتسليط الضوء على تمايزه عن 8 وتقاطعه مع 14 وليس تظهير حقيقة تغطيته للحكومة، وذلك تحت عنوان تشجيعه على توسيع هامش هذا التمايز وصولاً إلى استقالة حزبه من الحكومة. ولكن المطلوب في الواقع حشر جنبلاط لا ترييحه، فضلا عن وضع خطة تصاعدية لحشر الثلاثي سليمان وميقاتي وجنبلاط وتخييرهم بين تحمّل تبعات شراكتهم مع "حزب الله"، وبين تشكيل حكومة تكنوقراط تتناسب مع المعطيات الجديدة التي أفرزتها الثورة السورية. وفي ظل تمسّك الحزب بالحكومة للاعتبارات المعروفة، يبقى أن السبيل الوحيد لإسقاطها يكمن في الضغط السياسي على هذا الثلاثي، خصوصا أنه لم يعد مقبولا استمرار الحكومة الميقاتية.

وإذا كان ما تقدم يؤكد على صوابية خطوة الجميل، إلّا أنّ ما كان يمكن تلافيه يَكمن في الآتي:

أولا، طرح الثقة والبقاء في المجلس في الوقت الذي كان يفترض بنواب "الكتائب" الخروج أسوة بزملائهم.

ثانيا، إصرار الجميل على ترجمة تمايزه وليس الاكتفاء بتسجيل تحفّظه.

ثالثا، ضرورة التمييز بين التمايز في الموقف، وهو أمر صحي، والخروج عن إجماع 14 آذار في التنفيذ، وهو أمر خطير، لأنه يعكس ضعف البنية الإدارية والسياسية للحركة الاستقلالية. وفي حين كان يفترض تلافي هذا الاختلاف الناجم عن قلة التنسيق، فإنه كان يفترض أيضا تلافي ردة الفعل القوية وغير المبررة على الجميل في الإعلام.

السابق
حزب الله
التالي
المعطيات تبدلت إلا سوريا في لبنان