تمدّد الحريق؟

ملفت كان تحذير رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بالأمس من استراليا، من احتمال تمدّد الحريق السوري الى لبنان.
للمرة الأولى منذ بدء الثورة السورية الأكبر في التاريخ الحديث، يخرج مثل ذلك الكلام من رأس الجمهورية ورئيسها.

في الشهور الماضيات كان الصوت مختلفاً جذرياً. وكان القول ان الدستور اللبناني حمى لبنان، من تداعيات ما يحصل في جوارنا. أو بالأحرى، النظام اللبناني الفضفاض، اللامركزي عملياً "المتعدّد" واقعياً، الموزّعة سلطاته تبعاً لتوزع هيئاته وقواه الطائفية. الضامن لحرية الأفراد والجماعات.. ذلك النظام تكفّل ويتكفّل بمنع وصول طراطيش النار المندلعة في جوارنا الى برميل البارود الخامد عندنا، وذلك صحيح نسبياً.

يُضاف إليه، ان "الخلاف" السياسي في مواقف اللبنانيين ليس طارئاً ولا جديداً. هو "خلاف" قائم في ذاته بغضّ النظر عن موضوعه. عنوانه السوري هذه المرة، امتداد لما هو قائم منذ سبع سنوات تحديداً، والجديد "الوحيد" فيه هو انه خلاف على "موضوع" سوري وليس على "موضوع" لبناني.. وبالتالي لا شيء يستدعي الهلع، ولا الدقّ على الصدور، ولا استنفار الهمم، ولا شحذ السكاكين والسواطير وتزييت السلاح والصواريخ. عدا عن ذلك، فإن "القانون" المتعلّق بالمصالح لا يزال ساري المفعول حتى إشعار آخر: لا مصلحة (وربما لا قدرة) لصاحب السلاح الأول والأخير في لبنان، في إشعال النيران في ثيابه خدمة لصاحب السلطة النارية الأكبر والأخطر في سوريا! القلق المحلي الممانع على تلك السلطة موجود. والتوجّس من ثقل خسارتها كبير وواقعي. ودعمها بكل أشكال الدعم قائم وسخي في الإعلام والسياسة وتعطيل الضمائر، وربما في أمور ميدانية أخرى (؟) لكن استيراد ذلك الحريق الى الداخل اللبناني لا يقدّم ولا يؤخّر في مصير تلك السلطة من جهة، ويفتح أبواب الجحيم اللبناني على وسعها من جهة ثانية، ومن دون نتائج "مضمونة"!

لا تلغي تلك المسلّمات، الحسابات المحلية الصرفة، التي تأثرت وستتأثر أكثر بمسار الثورة السورية، بل ستزيدها توتراً: من قبض على السلطة اللبنانية قبل اندلاع الثورة السورية، سيحاول الإمساك بها أكثر، بعد تلك الثورة. "كيفية" ذلك قد تؤدي الى كوارث متفرقة في السياسة والميدان سواء بسواء.
ولكن ذلك الاحتمال يبقى شأناً لبنانياً خالصاً سابقاً على الوضع السوري المستجد، وان زاده ذلك الوضع إلحاحاً.

فما الذي استجد وتغيّر كي يحذّر رئيس الجمهورية من إمتداد الحريق إلينا؟ وماذا طلبت وتطلب سلطة الأسد لبنانياً كي يتوجّس رئيس الجمهورية الى ذلك الحد غير المسبوق؟
في كل الحالات، تضمر الأجوبة على تلك الأسئلة القلقة ما هو جديد وغير مسبوق بدوره: انتهى الزمن الذي كانت فيه "تمنيات" السلطة الأسدية تُنفّذ باعتبارها أوامر في لبنان! أو فلنفترض ذلك مبدئياً، إحتراماً لملكة العقل ولغة المصالح العليا، قبل أي شيء آخر!

السابق
ورشة تغييرات..
التالي
وساطة حزب الله وحماس تطلق سراح مصطفى اللداوي