الراي: ثلاثية البرلمان ابتداء من اليوم تدشّن البازار

فتِّش عن الانتخابات النيابية. هكذا يمكن اختصار المشهد في بيروت التي باتت أكثر من اي وقت وكأنها دخلت في مدار استحقاق الـ 2013 الذي يفسّر «الدوار» الذي تعيشه البلاد على خلفية ملفات خلافية سـ «تنفجر» بـ «انضباط» ابتداء من اليوم وعلى مدى ثلاثة ايام في جلسة المناقشة العامة للحكومة، كما على خلفية الهاجس الامني الذي عاد الى الواجهة بقوة مع محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قنصاً بثلاث رصاصات «بعيدة المدى» مدججة برسائل عكست «رفع الغطاء» الامني الذي كان وفّر منذ الـ 2008 «هدنة» عُلقت معها الاغتيالات السياسية.

من النظرة الى تطورات الملف السوري «القابض» على اهتمام العالم، الى رزمة القضايا الداخلية التي تتداخل فيها «المعارك» سواء على خط الصراع «الدائم» بين قوى 14 و8 آذار او «المتعاظم» ضمن «البيت الواحد» (الاكثرية)، كله يبدو مربوطاً بـ «خيط» الانتخابات التي يريدها «حزب الله» وحلفاؤه مدخلاً للإمساك بكل اللعبة السياسية على طريقة الـ solo اي من دون الحاجة الى رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط (ينقص الحزب 5 نواب لتحقيق ذلك)، فيما تنظر اليها 14 آذار على انها محطة لـ «رد الاعتبار» و«تثبيت» انتصار الـ 2009 ولكن هذه المرة مع حرص على عدم التفريط بالفوز و«مشاطرته» مع قوى 8 آذار في حكومة واحدة يملك فيها هذا الفريق «مفتاح» إسقاطها بـ «الضربة القاضية».

ولان مسار الازمة السورية يشي بأنها مرشحة للاستمرار لفترة غير قصيرة، فان فريق 8 آذار يسعى للاستفادة من «موازين القوى» الحالية سواء الاقليمي او الداخلي لإمرار قانون انتخاب «يضمن» له الإطباق على برلمان 2013 وتالياً «تحصين» وضعه بإزاء إمكان سقوط النظام السوري وتأمين اوراق قوة بيده تحدّ من «أضرار» خسارة «الظهر» الاقليمي ويمكنه استخدامها عندما تدقّ «لحظة التسوية» لتحصيل المكتسبات. اما 14 آذار التي تحاول «التكيُّف» مع امكان صمود نظام الرئيس بشار الاسد حتى موعد الانتخابات، فتسعى الى إبقاء الحكومة الحالية في «مرمى النار» مع تنظيم «خطوط الدفاع» للحؤول دون اي «تهريب» لقانون انتخاب مفصّل على قياس قوى 8 آذار مستفيدةً في ذلك من موقف النائب جنبلاط الرافض للنسبية والذي يشكّل «حائط صدّ» امام إقراره في البرلمان، ومتخذة وضعية انتظار «التوقيت الملائم» لإطلاق معركة تشكيل حكومة تكنوقراط تتولى الإشراف على الانتخابات، وذلك رغم إبداء اوساط سياسية خشيتها من ان تشكّل «مصيرية» هذا الاستحقاق عنواناً لصراع طاحن حوله يمكن ان يطيح به في النهاية ولا سيما اذا كان الوضع في سورية لم يُحسم بعد.
وثمة أمثلة عدة على تحوّل الاستحقاق النيابي «الملعب الخلفي» للشمهد اللبناني وابرزها:

* محاولة اغتيال جعجع التي ربطتها دوائر سياسية في جانب منها بمحاولة «شطب» رئيس حزب «القوات» على خلفية الانتخابات وذلك بهدف إزاحة «عامل الخطر» داخل الساحة المسيحية على العماد ميشال عون الذي يعاني من استنزاف رصيده الشعبي ما يجعل مستحيلاً ليس فقط تأمين عدد النواب الاضافي للفوز بالاكثرية بل حتى الإبقاء على الحجم النيابي نفسه الذي خرج به عون في الـ 2009.

* الهجوم الاستباقي الذي شنّه الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري في ملف قانون الانتخاب، حيث انطلق من محاولة اغتيال جعجع «التي تندرج بشكل أساسي في إطار الانتخابات والرغبة بشطب فريق سياسي كامل منها وبالتالي توجيه ضربة قاتلة للحركة الاستقلالية وحظوظها»، ليجزم بان «لا حديث بقانون انتخاب على اساس النسبية أو نقاش حولها في ظل السلاح والتهديد باستخدامه بوجه من لا يحظون بموافقة قوى الأمر الواقع».
وقد ردّ رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد على الحريري دون تسميته معلناً «هل يمكننا أن نستنتج ان الذي لا يقبل ان يتحاور اللبنانيون مع بعضهم بعضا مع وجود السلاح لن يقبل باجراء انتخابات مع وجود سلاح؟ أم ان الامر «كلام في كلام» يطرح فقط للتحريض واثارة الغرائز ولا سيما ان الانتخابات قد بدأ بازارها منذ اليوم؟».

* جلسة المناقشة «الصاخبة» لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي ابتداء من اليوم والتي ستشهد هجوماً بـ «صوت واحد» من المعارضة بـ «اسلحة من العيار الثقيل» وبعناوين سياسية وامنية واقتصادية و»فضائحية» عدة، مع تفادي طرح الثقة بالحكومة التي تعتبر 14 آذار ان أوان اسقاطها لم يحن بعد كما ان نصاب إسقاطها غير متوافر، وكذلك مع تجنُّب طرح الثقة بأي من وزراء العماد عون اولاً لعدم إخراج هذا الوزير بـ «ثقة متجددة» (في ظل صعوبة تامين الاكثرية لسحب الثقة) وثانياً لان زعيم «التيار الوطني الحر» رسم معادلة «إما تبقى الحكومة كلها أو تسقط كلها» في موقف بدا برسم تحالف الأكثرية بالدرجة الاولى خشية حصول اي «خروق» في التضامن «المهتزّ» اساساً بين مكوّناته.
وفي حين بدا واضحاً ان فريق 8 آذار جهّز ملفاته لردّ «الصاع صاعين» لـ 14 آذار وسط تحضير ميقاتي اجوبة مفصّلة، فان الدوائر المراقبة تربط بين «المشهدية» التي سيشهدها البرلمان وبين الانتخابات حيث سيسعى كل فريق الى مخاطبة جمهوره في «الثلاثية» المنقولة مباشرة على الهواء.

* الخلاف القديم – الجديد بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والعماد عون على خلفية ملف التعيينات في المناصب المسيحية والذي تداخل اخيراً مع قضية رفض سليمان إصدار مشروع قانون تغطية الانفاق الحكومي لسنة 2011 (ستة مليارات دولار) بمرسوم ومطالبته البرلمان بعقد جلس عامة لإقراره مع الاخذ بالملاحظات التي وضعتها عليه لجنة المال النيابية.

وبدا واضحاً ان سليمان رفض من خلال امتناعه عن إصدار المشروع بمرسوم وضْعه بمواجهة مع قوى 14 آذار التي تصرّ على «تلازُم المساريْن» بين ملف الستة مليارات لحكومة ميقاتي والـ 11 مليار لحكومتي الرئيس فؤاد السنيورة بين 2006 و2009? معتبرة ان فريق عون أراد من خلال «ابتزاز» رئيس الجمهورية والتهويل بامكان عدم دفع رواتب الموظفين في القطاع العام الشهر المقبل ابقاء قضية الـ 11 ملياراً «سيفاً مصلتاً» على 14 آذار واستخدامه بوجهها في مرحلة الانتخابات لتشويه صورتها.

وكان لافتاً ان رئيس الجمهورية ردّ من اوستراليا على اتهام فريق عون له بانه لا يمارس صلاحيته بإصدار مشروع القانون بمرسوم معلناً «هل تكون ممارسة الصلاحيات بالتوقيع على المرسوم، بينما لا يحق لرئيس الجمهورية ان يعيّن رئيساً لمجلس القضاء الأعلى؟»، في اشارة الى الملف الذي يدور صراع بين سليمان وعون حوله منذ فترة.

السابق
بين المناقشة والمشاكسة
التالي
فتاة صغيرة تجر المعارضة السورية