مصر دولة قضاة ولبنان دولة ميليشيات

مع أن السياسة المصرية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك كانت تابعة إقليميا للسياسة السعودية ودوليا للولايات المتحدة الاميركية فقد أدى السقوط "الكامل" للرئيس حسني مبارك، الى فراغ مخابراتي مهم. وبمعزل عن درجة الأهمية السياسية المتبقية فعليا لهذا الفراغ المخابراتي فإن سقوط عمر سليمان كرئيس للمخابرات المصرية قد خلَّف وراءه ما أسمِّيه ظاهرة "أيتام عمر سليمان" من المتعاونين السابقين مع جهازه ليس فقط داخل مصر – وهذا طبيعي – ولكن أيضا خارج مصر لاسيما في العالم العربي ومن ضمنه لبنان! وهي حالة تذكِّر بالفراغ الذي تركه انشقاق الجنرال بختياري رئيس جهاز المخابرات الايراني عن الشاه محمد رضا بهلوي في أواخر الستينات. لكن الفارق الرئيسي أن انشقاق بختياري أدى على المدى الأبعد – خلال عشر سنوات – الى المساهمة العميقة ولو غير المنظورة على السطح في سقوط نظام الشاه عبر انضمام عدد من المتعاونين الفعّالين السابقين معه الى صفوف معارضي الشاه سواء داخل ايران أو خارجها ولاسيما – خارجيا – في العراق ولبنان. بينما شبكة عمر سليمان الداخلية والخارجية تصدّعت او تلاشى بعضها مع سقوط مبارك. والمعروف أن جهاز المخابرات العسكرية التابع للمجلس العسكري هو الذي أصبح بعد الثورة في مركز الثقل المخابراتي.
نأتي على ذكر هذا الموضوع الآن لسببين الاول فرعي والثاني جوهري:

أما الاول الفرعي، فهو أن الجنرال سليمان الذي قدّم ترشيحه المفاجىء لانتخابات الرئاسة قد هدّد عندما علم باحتمال استبعاده القانوني من خوض السباق بفتح "الصندوق الأسود" للمخابرات المصرية وكشف سجل بعض الشخصيات.
… وأما الثاني الجوهري فهو تكرار إبداء الإعجاب بالديناميكية السلمية العميقة التي تصر النخب المصرية جميعا، على التمسك بها عبر العودة في كل الصراعات السياسية الى مرجعية القانون، خلافا للنزوعات "الحرب أهلوية" في سوريا، سلطةً قمعية ومعارضةً معسكرة… حتى بات يمكن القول أن مصر في المرحلة الراهنة هي تحت حكم القضاة بالمعنى الحرفي للكلمة. وآخر قراراتهم الكبيرة أمس الاول إبطال المحكمة الادارية لقرار مجلسي الشعب والشورى بتكوين الهيئة التأسيسية لوضع الدستور على أساس ان الدستور المؤقت يعطي البرلمان حق انتخاب اعضاء في الجمعية وليس حق النواب بعضويتها.

مصر، في هذه المرحلة على الأقل، رغم كل فوضاها السياسية، يمكن تصنيفها بأنها "دولة قضاة" مثلما لبنان هو عميقا "دولة ميليشيات طائفية" مثلما ايران "دولة رجال دين شيعة" مثلما السعودية "دولة ملكية دينية وهابية"…   

السابق
تعذّر نقل بسطات الخضار من سوق صيدا
التالي
دولة فلسطينية! أين ومتى وكيف؟