أخطأ جعجع بأن اغتياله مجرد وجهة نظر!

كما جرت العادة مع عمليات الاغتيال السابقة، لم يتأخر الاستثمار السياسي لمحاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في معراب بواسطة قناص، كما أعلنت "القوات".
وبدا واضحا من التعليقات الأولية التي سبقت التحقيقات ونتائجها ان "الأحكام السياسية" جاهزة بمعزل عن المسار الجنائي لـ"واقعة معراب"، بحيث لم يكن صعبا الاستنتاج من كلام جعجع وبعض حلفائه في 14 آذار ان هناك جهة معينة قد وُضعت على الفور في "دائرة الشبهة".

وإذا كان من الطبيعي ان تسارع المعارضة الى الاستفادة من الحادثة لاستقطاب التعاطف الشعبي والسياسي، في لحظة هي بأشد الحاجة إليه، إلا ان المبالغة والتسرع في "التوظيف السياسي" انطلاقا من فرضيات غير مثبتة، يؤثران على الحدث نفسه، ويُضعفان مستوى التضامن مع الشخصية المستهدفة، بما يُخرج محاولة الاغتيال من كونها جريمة مدانة أخلاقيا ووطنيا بمعزل عن الخلاف السياسي، لتصبح مادة تجاذب داخلي ينقسم اللبنانيون حولها.
وبما ان حيثيات محاولة الاغتيال هذه، تختلف من حيث معطياتها الحسية وتفاصيلها الميدانية عن التجارب السابقة، فهي كانت موضع قراءات متباينة، تبنى بعضها رواية جعجع التي جزم بصحتها وزير الداخلية مروان شربل، وأكثر من مصدر رسمي ما رفع منسوب مصداقيتها لدى الكثير من الاوساط، فيما ذهب البعض الآخر الى التشكيك في متانة الرواية وبنيتها البوليسية.

بالنسبة الى أصحاب القراءة الاولى، "لا قيمة لأي محاولة من أجل تجويف محاولة الاغتيال واعتبارها ملفقة، وخصوصا ان الاجهزة الامنية المختصة تعاطت معها على اساس انها جدية ومبنية على وقائع دامغة، حتى أن وزير الداخلية قال صراحة ان جعجع "نجا من الموت بأعجوبة"، وبالتالي، فان "أي تشكيك في صحة ما سرده رئيس حزب "القوات" لا معنى له، سوى التعمية على الحقيقة والهروب الى الامام، إلا إذا كانت السلطة تريد ان تجازف بمصداقيتها كرمى لعيون جعجع".
ويعتبر هؤلاء ان جعجع ليس بحاجة الى افتعال حادثة افتراضية من أجل تفعيل حضوره السياسي او مضاعفة حجمه الداخلي، بل ان العكس صحيح، إذ ان الموقع المتقدم الذي بلغه جعجع في المعادلة اللبنانية هو الذي دفع المتضررين الى محاولة إلغائه جسديا، بعدما أصبح يشكل مصدر إزعاج لبعض القوى في الداخل والخارج.

في المقابل، يملك المشككون في قصة "جعجع والزهرة" العديد من علامات الاستفهام والتعجب التي تقود، برأيهم، الى عدم تصديقها، مستندين الى ما يفترضون إنها "ثغرات" يعرضونها كالآتي:
– إن التزامن بين انحناءة جعجع لقطف زهرة، وبين إطلاق النار عليه، هو تزامن سوريالي لا يحتمل سوى واحد من تفسيرين: إما انه مقتبس من فيلم سينمائي يتضمن لقطة مشابهة وإما ان العناية الالهية تدخلت في تلك اللحظة تحديدا، لتفعل فعلها.
– ان الاغتيال بواسطة القنص لا يمكن ان يتم برشاش من عيار 12,7أو 14,5، لانه كلما كبرت الرصاصة، تراجعت دقتها التصويبية وأصبحت أكثر تأثرا بمسار الهواء، وبالتالي فان هذا النوع من الرشاشات يستخدم في إطلاق النار العشوائي او كمضاد جوي في مواجهة الطائرات التي تحلق على مستوى منخفض لا سيما وان رصاص هذا السلاح متفجر، فهل يعقل ان يُستعمل في عملية اغتيال تحتاج الى الكثير من الدقة والحرفية؟
– ان هذا السلاح هو من الوزن الثقيل الذي يمكن ان يشكل عبئا على حامليه، وخصوصا عند الانسحاب من مكان تنفيذ العملية، وما يتطلبه ذلك من رشاقة وخفة في الحركة.
– ان عيار بندقية القنص يكون صغيرا، لأنه في هذه الحال تدور الرصاصة بسرعة حول نفسها وتزيد اندفاعتها في الهواء، بما يجعل استقرارها اكبر وإصابتها أدق.

– ان من يعرف جعجع جيدا، يدرك انه لا يترك نفسه بهذه البساطة مرئيا لمسافات بعيدة او قريبة، ويروي بعض الذين كانوا يزورونه في غدراس انه كان حريصا على ألا يظهر في أماكن مكشوفة، فكيف في معراب حيث الإجراءات أشد، ورئيس "القوات" اعتاد على استقبال زواره في طابق تحت الارض.
– ان استحواذ "القوات" على بقايا وشظايا الطلقات وعرضها امام وسائل الاعلام يشير الى فجوة في التحقيق، إذ يفترض ان تكون هذه البقايا بحوزة الاجهزة الامنية التي تتابع القضية، ولا ينبغي ان تصل الى أي طرف آخر لانها جزء من أدوات الجريمة.
وبناء على ما سبق، يرى أصحاب تلك الملاحظات ان الطريقة التي قدم بها جعجع محاولة الاغتيال، من الناحية التقنية، أضعفت بنيتها، حتى لو كانت صحيحة في الاساس، و"حبذا لو ترك الأمنيين يتولون المهمة، لكانوا ساندوا روايته السياسية وهم في كل الأحوال يميلون الى تصديق رواية الاغتيال".  

السابق
من معراب إلى أين؟
التالي
تجار صيدا يلوحون بالإضراب المفتوح