وحدة المعارضة أم وحدة العار؟

لا شك أن وحدة المعارضة السورية, أمر مطلوب أقله سياسيا, لكن من الواضح جيدا أن هذا الطلب من دول العالم لا يأتي بناء على سياق واقعي وداعم للثورة السورية, بل يأتي كمشجب لتعليق هذا الموقف الدولي المشين من جرائم العصابة الحاكمة في سورية, لكن هل هذا المطلب من الغرب وتركيا ونبيل العربي, ممثلا لأكثرية الجامعة العربية, يأتي فقط كمشجب أم أن الأمر له تبعات أخرى?
منذ انطلاق الثورة السورية من حوران قبل عام من الآن, كان واضحا اتجاه المجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه, لماذا مطلب وحدة المعارضة ليس مطلبا روسيا أو صينيا أو إيرانيا? تبعا لموقف هذه الاطراف من الثورة وقواها تتحدد مطالبها, وهي آخر همها وحدة المعارضة, لأنها لا تريد معارضة أصلا فهي تريد استمرار هذه العصابة, وهذه اولويتها وفق شروطها التي تريد المقايضة بها! لو كانت هذه الاطراف تؤمن بضرورة وجود معارضة لكانت على الأقل قد عبرت عن هذا الموقف قبل الثورة مثلا, فكانت كل دول العالم تقريبا تدين ممارسات العصابة واعتقالها للناشطين واصحاب الرأي, إلا هذه الاطراف, لا تنبس ببنت شفة عن هذا الموضوع. هذا يعني أن مطلب وحدة المعارضة يأتي من الدول التي تقول باعلامها وتصريحات مسؤوليها انها تدعم الثورة السورية السلمية ومطالبها في الحرية والديمقراطية, ومن دون أن تمتلك أي ستراتيجية واضحة من أجل وقف حمام الدم بحق شعبنا.
قبل أن تتم المطالبة بوحدة المعارضة, نسأل هل هذه الدول متفقة على انجاح الثورة عبر دعمها? هل هناك ستراتيجية واحدة تجمع هذه الدول في هذا السياق؟ هل هناك فقط نقطة واحدة تجمع هذه الدول والتي انخرطت تحت مسمى مجموعة اصدقاء سورية, حيث عقدت مؤتمرها الأول في تونس, وكان الفضل للأشقاء التوانسة في انتاج خطاب ختامي هزيل, الآن هذه الدول ذاتها تريد الاجتماع في تركيا, ولا تزال النقطة الوحيدة المتفق عليها, هي البحث عما يعفي هذه الدول من مسؤولية التدخل العسكري لوقف آلة القتل هذه. هذه النقطة الوحيدة المتفق عليها بين هذه الدول بزعامة الولايات المتحدة الأميركية, وفقا لمتطلبات الرؤية الإسرائيلية, الرؤية الاسرائيلية التي تتمحور حول خيارين: إما استمرار الازمة والقتل, او بقاء آل الأسد في حكم البلد. طبعا ليست كل الدول متفقة إسرائيليا, ولكن الشرط الاسرائيلي, افعلوا ما تشاؤون إلا التدخل العسكري! لأنها تعرف طبيعة سورية وتعرف طبيعة هذه العصابة الحاكمة وجيشها, لهذا هي تعتقد أن من دون تدخل عسكري لن يسقط النظام حتى لو تحولت سورية إلى كانتونات, القتل فيها على الهوية, كما يريد النظام في النهاية إذا تأكدوا انهم سيخسرون السلطة, وهم محميون بأكثر من مئتي وخمسين ألف عسكري و»شبيح« منضبطين مصلحيا وطائفيا ومزودين بأحدث الأسلحة الروسية والإيرانية, ويقتلون فرحين بهذا القتل.
من هذه الرؤية للواقع يصبح مطلب وحدة المعارضة مشجبا, لتغطية هذا العار وهذا التواطؤ, ووفقا لهذا المعطى أيضا تحاول بعض الدول مساعدة الثورة وتحقيق مطلب اسقاط النظام وفقا لطريقة خذ وطالب, لأن هذه الدول عاجزة عن تغيير موقف بقية الدول من أجل تدخل عسكري واضح, عملية خذ وطالب تقتضي فيما تقتضيه حقيقة بالنسبة لهم الوصول إلى نقطة مفصلية, وهي معارضة موحدة تجلس مع العصابة الحاكمة من أجل تحقيق ما يمكن تحقيقه وفقا لهذه الستراتيجية, لهذا مطلب وحدة المعارضة يغدو مطلبا مهما بالنسبة لها.
من جهة أخرى تعتقد ان معارضة موحدة قادرة على فرض شروط أفضل في تلك اللحظة التي يحملها كوفي عنان في نقاطه الست, لهذا تم استبعاد أي حديث عن الجيش الحر والمقاومة المسلحة, أو التلويح بتدخل عسكري, وبذلك على المعارضة أن تكون موحدة وجاهزة عندما نصل إلى تلك اللحظة, كما حدث باليمن مع الفارق بين النظام السياسي هناك وبين العصابة الحاكمة عندنا, لسنا بصدد الحديث عنه هنا.
إن ستراتيجية متبعة هنا تحتم على الدول الراعية لها أن يكون هناك طرف معارض, يمثل الثورة ومطالبها, وبناء عليه تقدمت تيارات المعارضة برؤيتها الستراتيجية لسورية المستقبل, والتي اجتمعت في استنبول لكي يتم التقدم بهذه الستراتيجية وفقا لهذه الرؤية والمعطيات كلها والتي غير واضح فيها سوى التالي:

المعطى الأول- استمرار آلة القتل وعصابتها وجيشها. المعطى الثاني- عدم جاهزية المجتمع الدولي ليحسم أمره بالتدخل في سورية عسكريا, لأن سورية منذ مجيئ الأسد الاب هي مسرح لتدخلات دولية واقليمية, أقله من خلال دعم هذا النظام, شرقا وغربا.
أما بالنسبة الى المعارضة أقول, أن بعض رموزها تدرك هذا الأمر ومنهم من يعمل عليه, بوعي ومنهم بلاوعي. لكن الغاية في النهاية هي ايجاد قوة توقف التظاهرات عبر تقديم ما يمكن تقديمه لأجل هذا الهدف, شعبنا وحده الآن يتحمل مصيره بيديه, ويجب أن نكون جزءا من ثورته, لا نخبته, هم معطياتهم هكذا ونحن معطياتنا الشعب واصراره, لهذا اللعب بالمفردات ان المجتمع الدولي لا يريد التدخل من أجل تبرير بقاء القتل عبر العصابة أمر لا يمكننا التواطؤ معه بأي حال من الأحوال, على هذه العصابة, أن ترحل وفقط ترحل. لا شيء يصون سورية إلا رحيل هذه العصابة. يريدونها وفقا لمعادلة إما هم أو الخراب حسنا, ليكن لهم ولمناصريهم ذلك, لكن سورية ستكون مثلما ارادتها حوران لحظة انطلاقتها ومثلما ارادتها حمص والدير, وادلب, وبقية المحافظات السورية التي خرجت بوجه هذا القتل بصدور عارية. لهذا الحديث عن وحدة المعارضة في هذا السياق غالبا هو لتغطية وحدة هذا العار الذي يحيط بالمجتمع الدولي نتيجة لتواطؤه مع العصابة, والقتل.إنني ضد وحدة المعارضة التي يطرحونها, وضد التوحد مع من يقف مع هذه العصابة.

السابق
قمة العرب في يوم الأرض
التالي
يوم الارض: الزحف المؤجل إلى القدس.. وإسرائيل تتأهب وتعلن حالة الطوارىء