عين جعجع على بعبدا

سوق القوات اللبنانية ناشط في هذه المرحلة. قضاء
بعبدا ليس بعيداً عن هذا الجو. حراك القواتيين بدأ منذ فترة، وتُرجم مؤخراً لقاءً في معراب لبلديات القضاء ذات الصبغة العونية في الشكل. يشكك القواتيون بهذه الصبغة، ويقدمون أرقام الانتخابات الأخيرة: القوات لن تهمل بعبدا

بعبدا مصبوغة بالبرتقالي. من الصعب قول عكس ذلك. فهنا مسقط رأس العماد ميشال عون. وفي رحم هذا القضاء ولد الرجل سياسياً. بين قيادة الجيش ورئاسة الحكومة العسكرية، في اليرزة وقصر بعبدا، بدأ عون مسيرته. بعد حربي الإلغاء والتحرير، بدت بصمة الجنرال واضحة في البلدة التي امتلأت جدرانها بعبارات مثل «عون راجع» و«عونيون»، والتي شغلت بال الأجهزة الأمنية والبلديات لفترة طويلة. شاءت الظروف أن تحصل نقطة التحوّل الأساسية في مشروع عون في بعبدا أيضاً. في كنيسة مار مخايل في الشياح، يوم 5 شباط 2006، وقّع الجنرال وثيقة التفاهم مع حزب الله. وميدانياً، الترجمة الفعلية لهذه الوثيقة تجري في بعبدا: بين عين الرمانة والشياح، بين الحدث والصفير، بين كفرشيما وحي السلّم.

في الشكل، بعبدا برتقالية. حتى خصوم العماد عون يعترفون بذلك. في الواقع، هذه الصبغة البرتقالية تكاد «تبوخ» عما كانت عليه في الاستحقاقين الانتخابيين، النيابي عام 2009 والبلدي عام 2010. القضاء، كغيره، يشهد تصاعداً لنفوذ الخصم الأول للتيار الوطني الحرّ، حزب القوات اللبنانية الذي يتحرّك منذ مدة في البلديات والمناطق مسجلاً النقاط. مثلاً، في 9 آذار الجاري، أقام رئيس الهيئة التنفيذية في القوات، سمير جعجع، لقاءً مع رؤساء بلديات ومخاتير القضاء. دعيت 43 بلدية من أصل 45، فلبّت 30 منها الدعوة واعتذرت 3 لدواعي السفر والمرض. لم تدع بلديتا برج البراجنة والغبيري، فالتواصل مقطوع معهما كما يقول منسق القوات في القضاء، جان أنطون، و«سياسياً، العملية مقطوعة». أو كما يبرّر القياد القواتي، نادي غصن، حين يقول إنّ «المواقف السياسية حسمت نفسها، يقيم الطرفان مناسبات عديدة ولم تسجل أي دعوة متبادلة».

يحاول غصن تصويب الصورة، مشيراً إلى الحدث التي اكتسح التيار بلديتها عام 2010. يذكّر بأنه «في انتخابات 1998 و2004 لم تكن البلدية مع التيار، بل ضده». ما هو سبب خسارتها؟ يجيب عضو الهيئة التنفيذية، الوزير السابق طوني كرم، أنّ «الرئيس السابق للبلدية في الحدث، أنطوان كرم، استُهلك في الدورتين السابقتين». يضيف منسّق القضاء سبباً آخر: «في الحدث، حسمت النتيجة بفارق مئات الأصوات، ومن حسمها هو الصوت الشيعي الذي صبّ بـ400 صوت لصالح التيار».
بغض النظر عن ذلك، حضور البلديات إلى معراب يدل على حركة ما تقوم بها القوات اللبنانية. يعتبر أنطون أن لقاء معراب «يفتح أبواب التواصل»، ويضيف إليه غصن أنّ «اللقاء طالبت به بعض البلديات سابقاً ورأينا انه آن أوانه، وتم في سياق طبيعي».
تجاوب 33 بلدية مع الدعوة، حضوراً واعتذاراً، يشير إلى تبدّل المشهد البرتقالي لبعبدا. يقول القواتيون إنّ التقدم لصالحهم «على الأقل مسيحياً». يعودون إلى الأرقام الانتخابية عام 2009 التي شهدت تكافؤاً بين التيار الوطني الحرّ من جهة وقوى 14 آذار من جهة أخرى. فمسيحياً، نال التيار يومها 51% من الأصوات مقابل 49 لخصومه.
يقدّر أنطون القوة الانتخابية للقوات بـ 25% من الأصوات المسيحية. في حال صحّ ذلك، يمكن القول إنّ هذه النتيجة جيّدة إذا ما أخذ في الاعتبار التردّد القواتي في العمل في بعبدا. هذا ما يقوله كرم. يعترف الأخير بأنه «ربما ارتكبنا أخطاء كثيرة في إدارة عملنا في القضاء ». من هذه الأخطاء مرور دورتي الانتخابات من دون استعداد قواتي جدي. عام 2005 «كانت ظروف المعركة ظاهرة في الحلف الرباعي» بحسب كرم، وفي 2009 «لم نعمل على تجهيز أحد، وربما كان هذا خطأ». فدعمت القوات الشخصيات المستقلة في 14 آذار «وفضلنا أيضاً التركيز على دوائر أخرى». في الانتخابات الأخيرة «تأخرنا»، يقول كرم مشيراً إلى «أننا بحاجة إلى شخصية لا تترك نقزة عند الناس، شخصية جاهزة ومقبولة، والكوادر القواتية في بعبدا غائبة منذ فترة». هذا الأمر صعب خصوصاً أنّ «في المتن الجنوبي ثمة زخماً واستمرارية في العائلات السياسية».
يمكن القول إنّ القوات اللبنانية أهملت بعبدا طوال السنوات الماضية. فمنذ تأسيسها، لم يمثّل القضاء عن القوات إلا نائب واحد غير قواتي، هو الراحل إدمون نعيم. نعيم لم يحمل يوماً بطاقةً حزبية، إلا أنه كان في مقدمة الفريق القانوني الذي دافع عن سمير جعجع خلال محاكماته. وفي تمثيل القوات أيضاً، وحده طوني كرم مثل قواتيي بعبدا رسمياً، كوزير للبيئة في الحكومة الثانية للرئيس فؤاد السنيورة بين شهري أيلول 2008 و2009. خلاصة الحديث الانتخابي مع كرم تفضي الى الآتي: «40% من المسيحيين في بعبدا هم لا 8 ولا 14 آذار. من ينجح في استمالة هؤلاء الناس يكسب أكثرية المسيحيين».
يؤكد الثلاثي، كرم وغضن وأنطون، أنّ القضاء لن يبقى على هامش اهتمام القواتيين، مشددين على أنه في استحقاق 2013، «سيكون للقوات مرشح صريح في بعبدا»، ولو أنّ الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن هذا الملف.
ساحل شيعي وجرد درزي
تختلف الحال بين ساحل بعبدا وجردها. الساحل تحكمه وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله. الجرد تحكمه مصالحة الجبل بين البطريركية المارونية والنائب وليد جنبلاط. هذا توصيف موضوعي للحال السياسية التي تنعكس على توجهات الناخبين المسيحيين في القضاء.

التيار أقوى في الساحل بينما 14 آذار أقوى في الجرد. يرجّح كفة تيار أن كثافة المنتخبين تتركّز في فرن الشباك، الشياح، حارة حريك، التحويطة والحدث، إذ تضم هذه البلدات ما يقارب 25 ألف صوت مسيحي. التزام الجمهور العوني بورقة التفاهم يشبّهه كرم بـ «ستوكهولم سيندروم» أو متلازمة ستوكهولم، حيث تتعلّق الضحية بجلّادها. يضيف: «يقول التيار أن هذه الورقة تحمي المسيحيين، وبالتالي يعتبرون أنّ المسيحيين بحاجة إلى حماية، إذاً ثمة خطر عليهم. هذا الأمر لا يلغي وجود ضحية وجلاد».
لـ «ظاهرة القمصان السود »، كما يقول كرم، تأثير مباشر على أهالي ساحل بعبدا. يقول إن هذه الظاهرة «مستمرة منذ 15 عاماً في عين الرمانة والحدث، وهي تشكل ضغطاً نفسياً على الأهالي». يتهكّم: «قمصان مدفوشة أو متروكة، فنحمي أهالينا بورقة تفاهم». واقع الساحل يتحدث عنه نادي غصن، إبن الشياح، الذي لا تغيب عن باله أحداث كنيسة مار مخايل في كانون الثاني 2007، حيث لم يتمكّن «التفاهم» من حماية عين الرمانة من «خروقات» الدراجات النارية والاعتداءات المتكررة على سكانها.

أما الجرد، فوضعه أقرب إلى 14 آذار لكون المصالحة تمّت بين المتصارعين. هنا تمّت المصالحة في معظم القرى واستثنيت منها بلدتا جوار الحوز وكفرسلوان. يقول المنسق جان أنطون أنّ الملف متوقف «لوجود دعاوى قضائية شخصية في جرائم مرتكبوها معروفون، وبالتالي لن يحل الموضوع سوى بإصدار أحكام قضائية بحق المذنبين». يتحدث عن المساعي المتواصلة للحلحلة، عبر البطريركية ورئاسة الجمهورية والنائب جنبلاط والقوات اللبنانية والتيار. ما عدا ذلك «سمن وعسل»! يشير أنطون إلى أنّ 11 بلدية من 13 درزية حضرت لقاء معراب، وهو «ما يؤكد أنّ التشارك والتعايش باتا موجودين بين أهالي المنطقة». وكما يقول طوني كرم «في الجرد لا تخترق الدراجات البلدات وليس من ضغط على الأهالي».
في التمايز بين الجرد والساحل، يبدو التيار قادراً على تهدئة «الجبهة» ساحلاً، والقوات قادرة على تهدئتها جرداً.

السابق
ريما: زوجي بطارية حزب المردة
التالي
احتفال ترفيهي للأمهات المسنات في دير ميماس