سماحة المفتي… إقرأ القرآن

ما بال بعض رجال الدين… رجال الله على الأرض، يعيشون في كوكب فضائي، فيما الأرض تلتهب بالصراع الطائفي والتناقض المذهبي والحركات الأصولية والدعوات التكفيرية، وأبناء الحوار يتقاتلون باسم الله على الله، ويقسمونه إلى ربّين كلاهما يحارب الأخر.

ما باله سماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبدالله يصبّ زيتاً على النار المتأججة، بدعوته إلى "هدم كل ما في الجزيرة العربية من كنائس، لأن إقرارها إقرار لدين غير الإسلام".

ألا يحوّر سماحته بذلك مسيرة المملكة التي تعتبر "إطفائية" نيران العرب، ويسيء إلى تاريخ ملوكها وعلى رأسهم الملك المؤسس عبد العزيز الذي لُقّب بنابوليون العرب فلم ينذر نفسه لمملكته وكفى، بل أثقل أصغريه الأكبرين بقضايا الأمة وهمومها الإسلامية والمسيحية على السواء.

ألا يدهش سماحته ما تتعرض له المصاحف من إحراق مقابل إحراق الكنائس، حتى يدعو إلى هدم الكنائس في الجزيرة العربية، كأنما يستحثّ دعوة مقابلة إلى إحراق المساجد في الدول المسيحية، وفي ذلك إذكاء لحرب دينية مذهبية أصولية تكفيرية أممية شاملة تبدأ في مكان ولا تنتهي في مكان خر.

قبل الاستنجاد بالآيات القرآنية التي تسفّه دعوة المفتي، نقول لسماحته أن دعوته "الكريمة" هذه تنطوي على دلالات ثلاث:

أولا: إنها بالمعنى الحقوقي القانوني تعتبر تحريضا على الفعل يعاقب عليه الشرع والقانون سواسية بين المحرض والمرتكب.

ثانيا: إنها بالمعنى الاجتهادي التفسيري تعتبر فتوى فقهية تحضّ على تنفيذ ما هو أمر شرعي.

ثالثا: إنها بالمعنى الديني الروحي تشكل تناقضا فاضحا مع روح القرآن وروح الدعوة.

إذا كان سماحته ينسب إلى النبي. "إن جزيرة العرب لا يجتمع فيها دينان…"، فلماذا يتجاهل ما جاء في القرآن عن النبي: "إنّا أرسلناك رحمة للعالمين". ولماذا يتجاهل عهد النبي لأهل نجران والأمر الذي أصدره بقتل رجل مسلم قَتَل رجلاً مسيحيا قائلا: "أنا أحقّ بذمته…" وكيف يتجاهل لجوء النبي إلى ملك الحبشة النجاشي المسيحي، عندما تعرض لاضطهاد أهل الجزيرة العربية التي يدعو اليوم إلى هدم كنائسها، وكيف يتنكر للحقوق التي منحتها الدولة الإسلامية للإنسان المسيحي والتي غبَطَه عليها المسلمون كما جاء في كتاب "أنوار البروق للفقيه القرافي".

وكيف يجهل أن أصحاب المناصب المسيحية في الدولة الإسلامية السمحاء كانوا يرسمون إشارة الصليب على المعاملات الرسمية إلى جانب أختام رؤسائهم المسلمين كما يقول حبيب الزيات في كتاب "الصليب في الإسلام".

ودرءاً لخطورة مفاعيل هذه الدعوة أو التذرع التكفيري بها، لا بدّ من أن نذكر سماحته.

أولا: أن في اللقاءات التحضرية للحوار الوطني الخامس في السعودية تقرر "استبدال مصطلح الكافر بكلمة الآخر أو غير المسلم لأن ذلك يؤدي إلى زرع الكراهية بين المسلمين وغيرهم…"؟

ثانيا: أن وثيقة الأزهر الشريف في 8 كانون الثاني 2012 تشدد على حرية الرأي وحرية العقيدة التي هي مكفولة بثوابت النصوص الدينية.

ثالثا: أن النصوص الدينية التي يشير إليها الأزهر الشريف مقتبسة من الآيات الكريمة ومنها:

– "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم"

آل عمران – 64)

– "لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"

(العنكبوت- 46)

– "ما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم"

(آل عمران – 84)

– "يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا… إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات – 13)

– "ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى"

(المائدة – 82)

– "لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس – 99)

– "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"

(الكهف – 29)

– "أفنجعل المسلمين كالمجرمين" (القلم – 35)

وختاما… رجوتك يا صاحب السماحة، ومع دعوتك إلى هدم الكنائس أن تتلو هذه الآيات على الناس وأنت تؤم الصلاة.

السابق
يوم الأرض الى مارون الراس!!
التالي
بعد تغريمه 15 ألف دولار أميركي.. هل ينسحب الشانفيل من بطولة غرب آسيا؟